[(قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّانا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ) 63]
(الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) الشياطين أو أئمة الكفر ورءوسه. ومعنى (حق عليهم القول): وجب عليهم مقتضاه وثبت، وهو قوله: (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [هود: 119] , [السجده: 13] و (هؤُلاءِ) مبتدأ، و (الَّذِينَ أَغْوَيْنا) صفته،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوَ فيهِ الفائدةُ العظمى وهوَ الثاني؛ لأنهُ هوَ الذي وقعَ فيهِ الشك، وقصدُكَ بهذا التركيبِ أنْ تُخبِرَ بذلكَ لا الإخبارُ بذاتِ زيد؛ وإنما تذكرُ ((زيدًا)) ليترتّبَ الثاني عليه. ولوْ قلتَ: حسبتُ منطلقًا وسَكَتّ؛ خَرَجَ مِنْ يَدِكَ ما يفيدُهُ الأولى، وهوَ أنهُ هوَ الذي انطلاقُهُ مظنونٌ عندَك؛ فإذنْ لابدّ مِنْ ذِكْرِ كِلَيْهما. وأما قولُ القائل: إنّ تَعَلُّقَ تلكَ الأفعالِ بمضامينِ الجُمَل، وهيَ أمورٌ خَفِيةٌ، إلى آخرِه؛ فمدفوعٌ بجوازِ حَذْفِ أحدِ شطرَيِ اسمِ إنّ وخبرِه، وأنها لتوكيدِ مضمونِ الجملة.
قولُه: (و {هَؤُلاَءِ} مبتدأ، و {الَّذِينَ أَغْوَيْنَا} صفتُه)، روى صاحبُ ((الكشف)) عن أبي عليٍّ أنه قال: {هَؤُلاَءِ} مبتدأ، و {الَّذِينَ أَغْوَيْنآ} خبرُ مبتدأ آخر، والتقدير: هؤلاءِ همُ الذّين أغويناهم، و {أَغْوَيْنَاهُم كَمَا غَوَيْنَا} استئنافٌ، ولا يكونُ ((الذين أغويناهم)) صفةً لـ {هَؤُلاَءِ} ويكونُ {أَغْوَيْنَاهُمْ} خبرًا؛ لأنهُ حينئذٍ لا يكونُ مُفيدًا بقولِه: {أَغْوَيْنَاهُمْ} زيادةً لم تُستَفَدْ بالصفةِ والموصوف.
قال: فإنْ قلتَ: فلِمَ لا يكونُ قولُه: {أَغْوَيْنَاهُمْ} خبرًا، وجازَ لتعلُّقِ قولِه: {كَمَا غَوَيْنَا} به؛ فيكونُ مفيدًا فائدةً زائدةً ليستْ في الصفةِ والموصوف؟ والجواب: إنّ ذلكَ يُوجبُ أنْ يكونَ قولُه: {غَوَيْنَا} جاريًا مجرى ما لابدّ مِنهُ مِنْ أحدِ جُزَئيِ الجملة، وهذا لا يجوز؛ لأنهُ ظرف، والظروفُ فَضَلاتٌ في الكلامِ بمنزلةِ المفعول، فكما لا يجوز: زيدًا ضَرَب؛ بنصبِ ((زيد)) على أنهُ مفعولُ ((ضَرَب))، وفي ((ضَرَبَ)) ضميرٌ يعودُ إليه؛ لأنهُ يؤدي إلى أَنْ يكونَ الفَضْلةُ لابدّ منهُ لِعَوْدِ الضميرِ إليه؛ فكذا لا يجوزُ هذا هاهنا. هذا كلامُه.