. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نحْوَ: ظننتُ أنكَ قائم؛ فالمفعولُ الثاني منهما محذوف، والتقدير: ظننتُ قيامَكَ كائنًا؛ لأنّ المفعولَ مع ((أنّ)) المفتوحة بتأويلِ المفرد. وأما سيبويهِ فيرى أنها سَدّتْ مَسَدّ المفعولَيْن، وأجازَ الكوفيّونَ الاقتصارَ على الأوّلِ إذا سَدّ شيء مَسَدّ الثاني كما في بابِ المبتدأِ، نحو: أقائمٌ أخواك؟ فيقولُ على هذا: ظننتُ قائمًا أخواك. وقالَ المالكي: إذا دَلّ دليلٌ على أحدِهِما جازَ حذفُه، كقولِه:
كأنْ لَمْ يكنْ بَيْنٌ إذا كانَ بعدَهُ ... تلاقٍ ولكنْ لا أَخَالُ تلاقيا
أي: لا أَخالُ الكائنَ تلاقيًا، أو: لا أخالُ بعدَ البَيْنِ تلاقيًا. وعليهِ قولُ المصنّفِ في قولِهِ: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتَا} [آل عمران: 169]: ويجوزُ أنْ يكونَ {الَّذِينَ قُتِلُوا} فاعلاً؛ المعنى: ولا تحسَبَنّهُمُ الذينَ قتلوا أمواتًا؛ أي: أنفسَهُم. إنما جازَ حذفُهُ لأنهُ في الأصلِ مبتدأ؛ فحُذِفَ كما حُذِفَ المبتدأُ في قولِهِ: {أَحْيَاءُ} [آل عمران: 169]؛ أي: هُمْ أحياء. وقولُه: {لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ} [النور: 57] الأصل: لا تحسَبَنّهُمُ الذينَ كفروا مُعجِزِين، ثُمَّ حُذِفَ الضميرُ الذي هوَ المفعولُ الأوّل. وكانَ الذي سَوّغَ ذلكَ أنّ الفاعلَ والمفعولَيْنِ لمّا كانا كشيءٍ واحد؛ اقتنعَ بذكرِ الاثنَيْنِ عنْ ذِكرِ الثالث.
وقلتُ: في هذا القيدِ إعلامٌ بشدةِ الاهتمامِ بمضامِينِ الجُمَلِ دُونَ مفرداتِها، ولعلّ السرّ أنّ هذهِ الأفعالَ قيودٌ للمضامينِ تدخلُ على الجملةِ الاسميةِ لبيانِ ما هيَ عنه؛ لأنّ النسبةَ قدْ تكونُ عنْ عِلْمٍ وقدْ تكونُ عنْ ظنٍّ، فلَوِ اقْتَصَرَ على أحدِ طرفَي الجملةِ لقيامِ قرينةٍ يوهِمُ أنّ الذي سيقَ لهُ الكلامُ والذي هوَ مهتمٌّ بشأنِهِ الطرفُ المذكور، وليسَ المضمونُ مما يُعتني به. نعمْ إذا كانَ الفاعلُ والمفعولُ لشيءٍ واحدٍ يهونُ الخَطْب.
ويؤيِّدُهُ ما ذكرَهُ صاحبُ ((الإقليد)): أنك إذا قلتَ: حسبتُ زيدًا منطلقًا؛ فقدْ عقدْتَ الحديثَ على أنّ زيدًا مظنونٌ انطلاقُهُ عندَك، فلَوْ قلتَ: حسبتُ زيدًا، وسَكَتّ؛ فقدْتَ ما