ويجوز حذف المفعولين في باب "ظننت"، ولا يصح الاقتصار على أحدهما.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قولُه: (ويجوزُ حذفُ المفعولَيْنِ في بابِ ((طننت))، ولا يصحُّ الاقتصارُ على أحدِهما)، وذكرَ في ((المفصّل)): وليسَ لكَ أنْ تقول: حَسِبْتُ زيدًا، وتَسْكُت؛ لِفَقْدِ ما عَقَدْتَ عليهِ حديثَك، فأمّا المفعولانِ معًا فلا عليكَ أنْ تسكُتَ عنهما. وذكرَ في فاتحةِ سورةِ العنكبوت: أنّ الحُسبانَ لا يصحُّ تعلُّقُهُ بمعاني المفرداتِ ولكنْ بمضامينِ الجُمَل، إلى آخرهِ.

وقالَ بعضُهم: فمَنْ قرأَ ((الكاشفيةَ)) وضح الفرق بَين امتناعِ طرحِ أحدِ المفعولَينِ وبينَ جوازِ طرح أحدِ الشطرَيْنِ في بابِ المبتدأ والخبر، معَ أنَّ البابَيْنِ مِنْ حيثُ المعنى سِيّان؛ وذلكَ أنَّ تعَلُّقَ تلكَ الأفعالِ بمضامينِ الجُمَلِ وهيَ أمورٌ خَفِيّةٌ في نفسِها؛ إذْ هيَ مِنَ المعقولاتِ الذهنيةِ لا مِنَ الملفوظات، والتعلُّقُ بها أمرٌ خَفِيّ، ولوْ طُرِحَ أحدُ الشطرَيْنِ لتراكَمَ الخفاء، بخلافِ الجملةِ الخبرية؛ فإنّ مراتبَ الخفاءِ فيهِ أقل، فاعرِفْه. وأما جوازُ طرحِ المفعولَيْن؛ فلأنّ عندَ طرحِهما ينتفي المضمونُ وتعلُّقُ الفعلِ به، ويصيرُ الغرضُ نفسَ إحداثِ ذلكَ الفعل.

وقلتُ: هذا كلامٌ حسن؛ فإنّ قولَهُ تعالى: {وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ} [الفتح: 12] حينئذٍ بمنزلةِ: فلانٌ يعطي ويمنعُ في الشياع في جميع ما فسدَ مِنَ الظنّ. وقولُ القائل: مَنْ يسمعْ يَخَلْ؛ أي: مَنْ يسمعْ يَخَلِ المسموعَ صحيحًا؛ إذْ معنى ((مَنْ يسمع)): مَنْ يركَنْ إلى السماع. والآيةُ واردةٌ على هذا.

وقالَ صاحبُ ((التحفة)): معنى الاقتصارِ أنْ لا يكونَ أحدُ المفعولَيْنِ مرادًا، فأما إذا حُذِفَ لقرينةٍ دَلّتْ عليهِ وهوَ مُرادٌ معنًى؛ فليسَ اقتصارًا، كما لا يُسمّى حذفُ الخبرِ اقتصارًا على المبتدأ؛ لأنّ الحذفَ لا يجوزُ إلا بدليل. وأما بابُ ((كسوت)) فيجوزُ الاقتصارُ بدليلٍ وبغيرِ دليل؛ لأنّ الأولَ منهما غيرُ الثاني. فأما قولُ الأخفش: إذا دخلَتْ هذهِ الأفعالُ على ((أنّ))

طور بواسطة نورين ميديا © 2015