الحياة المتقضية. (وَما عِنْدَ الله) وهو ثوابه (خَيْرٌ) في نفسه من ذلك (وَأَبْقى)؛ لأنّ بقاءه دائمٌ سرمدٌ. وقرئ: (يعقلون) بالياء، وهو أبلغ في الموعظة. وعن ابن عباسٍ رضى الله عنهما: "أن الله خلق الدنيا وجعل أهلها ثلاثة أصنافٍ: المؤمن، والمنافق، والكافر؛ فالمؤمن يتزوّد، والمنافق يتزين، والكافر يتمتع".

[(أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) 61]

هذه الآية تقريرٌ وإيضاح للتي قبلها. و (الوعد الحسن): الثواب؛

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التقسيمِ الحاضر، كأنُه قيل: إنّ ما يتصلُ بكُمْ ما هوَ مِنْ عندِ الله، أو غيرُ ذلك. فالأوّلُ باقٍ لا محالة، والثاني فانٍ ولا شكّ فيه.

قولُه: (وقُرِئَ: ((يعقلون)))، بالياءِ التحتانيّة: أبو عمرو، وهوَ أبلغُ في الموعظة؛ لأنّ الخطابَ معَ أهلِ مكة، كأنهُ لمّا عَدَلَ مِنَ الخِطابِ إلى الغَيْبةِ آذَنَ بأنّ أولئك البُعداءَ مِنَ الخيرِ لا عقلَ لهم؛ حيثُ يُؤْثِرونَ الفاني على الباقي، والدنيءَ الحقيرَ على الشريفِ العظيم. روى الإمامُ عنِ الشافعيِّ رَضِيَ الله عنه: مَنْ بثُلُثِ مالِهِ لأعقلِ الناسِ صرفَ إلى المشتغِلينَ بطاعةِ الله؛ لأنّ أعقلَ الناسِ مَنْ أعطى القليلَ وأخذَ الكثير. فكأنهُ رَضِيَ الله عنهُ اقتبسَ المعنى مِنْ هذهِ الآية.

قولُه: (هذهِ الآيةُ تقريرٌ وإيضاح)، أما كونهُ تقريرًا فإنهُ ضَرَبَ المعنَيَيْنِ- أعني: {وَمَا أُوتِيتُم}، {وَمَا عِندَ اللهِ} - مثلاً في هذهِ الآية، وأخرجَهُما مخرجَ المشبّهِ والمشبّهِ به، وأَدْخَلَ همزةَ الإنكارِ على فاءِ التعقيبِ العاطفةِ لهذهِ الجملةِ على الأولى. والمعنى: أَبَعْدَ هذا التفاوتِ الظاهرِ يستويان؟ أي: أبناءُ الدنيا والآخرة. وأما البيانُ فإنهُ تعالى ذكرَ أنّ ما أوتوا مِنْ شيءٍ فهوَ تمتُّعٌ وزينةٌ أيامًا قلائل. ولمْ يبيِّنْ في تلكَ الآيةِ مالَها وسوءَ مغبّتِها فبيّنَ في هذهِ الآيةِ أنّ المالَ أنّهُمْ يُحضَرونَ النار، وذكَرَ فيها أنّ ما عندَ الله خيرٌ وأبقى. ولمْ يبيِّنْ العاقبةَ فيه؛ فبيّنَ في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015