ولا يجعل علمه بأحوالهم حجة عليهم، ونزه ذاته أن يهلكهم وهم غير ظالمين، كما قال تعالى: (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ) [هود: 117].

فنصّ في قوله: (بِظُلْمٍ) أنه لو أهلكهم وهم مصلحون لكان ذلك ظلماً منه، وأنّ حاله في غناه وحكمته منافيةٌ للظلم، دلّ على ذلك بحرف النفي مع لامه، كما قال الله تعالى: (وَما كانَ الله لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) [البقره: 143].

[(وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ الله خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ) 60]

وأى شيء أصبتموه من أسباب الدنيا؛ فما هو إلا تمتعٌ وزينةٌ أياماً قلائل، وهي مدة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القَدَريّة؛ إذْ لَوْ كانتِ العقولُ تحكُمُ بأحكامِ التكاليف؛ لقامتِ الحُجّةُ على الناس، وإنْ لَمْ يكُنْ بعثة، ولا يجدونَ عنهُ جوابًا.

قولُه: (ولا يجعلُ عِلْمَهُ بأحوالهِم حُجّةً عليهم)، يعني: أنّ الله تعالى لا يعامِلُ خلقَهُ بعِلْمِه؛ بلْ يعاملُهُم بفعلِهِم.

قولُه: (فنَصّ في قولِه: {بِظُلْمٍ} أنّهُ لوْ لأهلَكَهُم وهُمْ مصلِحون؛ لكانَ ذلكَ ظُلمًا مِنه)، فجوابُهُ أنهُ لِمَ لا يجوزُ أنْ يكونَ معناه: ليسَ مِنْ شأنِهِ وعادتِهِ إلا التفضُّلُ والرحمة؛ فلا يُهلِكُهُم في حالِ صلاحِهِم، ولوْ فَرَضَ إهلاكَها فبِعَدِلِه؛ لأنهُ يتصرّفُ في مُلكِهِ؟ كما سَبَق.

قولُه: (وأيّ شيءٍ أصَبْتُموه)، أبرزَ الضميرَ المنصوبَ ليُؤذِنَ ((ما)) - في {وَمَا أُوتِيتُم} - موصولة، وقدْ بُيِّنَتْ بقولِه: {مِن شَيْءٍ}؛ فأفادَتِ الشيوعَ فأُجِيبَ بالفاءِ في قولِه: {فَمَتَاعُ} على طريقِ الإخبارِ والتنبيه، كما في قولِه: {وَمَا بِكُم مِن نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ} [النحل: 53]. ويؤيِّدُهُ قولُه: {وَمَا عِند اللهِ خَيْرٌ}؛ لأنهُ قرينة، وليستْ {وَمَا} إلا موصولة.

وأما إفادةُ الحصرِ في قولِه: ((فما هوَ إلا تمتُّعٌ وزينة)) فمِنْ مفهومِ التركيب؛ لأنّ الآيةَ مِنَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015