لأنه منافع دائمةٌ على وجه التعظيم والاستحقاق، وأى شيء أحسن منها؟ ولذلك سمى الله الجنة بالحسنى. و (لاقِيهِ) كقوله تعالى: (ولقاهم نضرة وسروراً)، وعكسه (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) [مريم: 59] (مِنَ الْمُحْضَرِينَ) من الذين أحضروا النار, ونحوه: (لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) [الصافات: 57]، (فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) [الصافات: 127] قيل: نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى جهل. وقيل: في على وحمزة وأبى جهل. وقيل: في عمار ابن ياسرٍ والوليد بن المغيرة. فإن قلت: فسر لي الفاءين وثم، وأخبرنى عن مواقعها. قلت: قد ذكر في الآية التي قبلها متاع الحياة الدنيا وما عند الله وتفاوتهما، ثم عقبه بقوله: (أَفَمَنْ وَعَدْناهُ) على معنى: أبعد هذا التفاوت الظاهر يسوّى بين أبناء الآخرة وأبناء الدنيا؟ فهذا معنى الفاء الأولى وبيان موقعها. وأمّا الثانية فللتسبيب: لأن لقاء الموعود مسببٌ عن الوعد الذي هو الضمان في الخير. وأمّا (ثم) فلتراخى حال الإحضار عن حال التمتيع، لا لتراخى وقته عن وقته.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذهِ أنّ الموعودَ الجنّة، وإليهِ الإشارةُ بقولِه: ((والوَعْدُ الحَسَن: الثواب)) إلى قولِه: ((ولذلكَ سَمّي الله الجنةَ بالحسنى)).

قولُه: (لأنُه منافِعُ دائمة)، تعليلٌ لتفسيرِ الوعدِ الحسنِ بالثواب. وإنّما قَيَّدَ التعريفَ بقولِه: ((على وجهِ التعظيم))؛ لأنّ المنافعَ الدينيويةَ ليستْ للتعظيم؛ أكثرُها بلْ جُلُّها استدراج، قالَ الله تعالى: {إنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيزْدَادُوا إِثْمًا} [آل عمران: 178]. وقيّدَ الاستحقاقَ إشارةً إلى مذهبِه؛ فإنهُ عندَنا على وجهِ التفضُّل.

قولُه: (وأما {ثُمَّ} فلتراخي حالِ الإحضارِ عنْ حالِ التمتيع، لا لتراخي وقتِهِ عنْ وقتِه)، لأنهُ أبلَغُ وأكثرُ إفادةً لأنّ تأخُّرَ زمانِ الإحضارِ عنْ زمانِ التمتيعِ ظاهرٌ بَيِّن، لا يحتاجُ إلى التنبيهِ عليه. قالَ صاحبُ ((الفرائد)): لا مانعَ أنْ تكونَ مستعمَلةً في حقيقتِها وهوَ التراخي في الزمان، والحملُ على المجازِ بدونِ المانعِ باطل. ويمكنُ أنْ يُقال: متّعناهُ زمانًا وهوَ زمانُ حياتِه، ثُمّ أُحضِرَ يومَ القيامة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015