وما كانت عادة ربك أن يهلك القرى في كل وقتٍ (حَتَّى يَبْعَثَ فِي) القرية التي هي أمّها، أى: أصلها وقصبتها التي هي أعمالها وتوابعها (رَسُولًا) لإلزام الحجة وقطع المعذرة، مع علمه أنهم لا يؤمنون. أو: وما كان في حكم الله وسابق قضائه أن يهلك القرى في الأرض حتى يبعث في أم القرى يعنى: مكة رسولاً؛ وهو محمدٌ صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء. وقرئ: (إمها) بضم الهمزة وكسرها لاتباع الجرّ، وهذا بيانٌ لعدله وتقدسه عن الظلم، حيث أخبر بأنه لا يهلكهم إلا إذا استحقوا الهلاك بظلمهم، ولا يهلكهم مع كونهم ظالمين إلا بعد تأكيد الحجة والإلزام ببعثة الرسل،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (وقَصَبتُها التي هيَ أعمالُها)، الجوهري: قصبةُ القرية: وسطُها، وقصبةُ السواد: مدينتُها.
قولُه: (لإلزامِ الحُجّةِ وقطعِ المعذِرة، معَ علمِهِ أنّهُمْ لا يُؤمنون)، هذا يَهدِمُ قاعدةَ مذهبِهِ؛ لأنّ لَهُمْ أنْ يعتذروا بسابِقِ علمِهِ فيقولوا: أليسَ في علمِكَ وحُكمِكَ أنّا لا نؤمِن؟ فكيفَ لنا أنْ نأتِيَ على خِلافِ علمِك؟ وليسَ الجوابُ عنهُ إلا أنْ يُقال: {لاَ يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ} [الأنبياء: 23].
قولُه: (أو: وما كانَ في حُكم الله وسابقِ قضائه)، هذا الوجهُ مبنيٌّ على قولِه تعالى: {وَإِن مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ} [الإسراء: 58]، ومِنَ أمارات القيامةِ بعثةُ الرسولِ صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قال: ((بُعِثتُ أنا والساعةُ كهاتين)). والوجهُ الأولُ أوفقُ لتأليفِ النّظْم؛ لأنهُ تعالى لمّا قال: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةِ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} بَيّنَ أنّ الإهلاكَ إنما كانَ لأنهم لم يشكروا الله على ما أوْلاهُمْ مِنَ النعمة، ومِنْ أَجَلِّ النعمةِ بعثةُ الرُّسُلِ وشكرُ الاقتداءِ بهداهُمْ والاقتفاءِ بآثارِهم.
قولُه: (إلا بعدَ تأكيدِ الحُجّةِ والإلزامِ ببعثةِ الرُّسُل)، الانتصاف: هذا سؤالٌ واردٌ على