يُدخِلُ في الإسلامِ {مَن يَشَاءُ} وهو الذي عَلِمَ أنَّه غيرُ مطبوعٍ على قلبِه، وأن الأَلطافَ تنفعُ فيه، فَيقْرُنُ به ألطافَه حتّى تدعُوه إلى القَبُولِ {وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} بالقابِلِينَ مِن الذينَ لا يقبَلُون. قال الزَّجّاج: أجمعَ المُسلِمُونَ أنَّها نزلتْ في أبي طالب، وذلك أنّ أبا طالبٍ قال عندَ موتِه: ((يا مَعشَرَ بنِي هاشِمٍ، أطيعُوا مُحمَّدًا وصدِّقُوه تُفلِحُوا وتَرْشُدُوا، فقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يا عَمِّ، تأمُرُهُم بالنَّصيحةِ لأنفُسِهم وتَدَعُها لنَفْسِك؟ فقالَ: فما تُريدُ يا ابنَ أخِي؟ قال: أريدُ منكَ كلمةً فإنَّكَ في آخرِ يَوْمٍ من أيّامِ الدُّنيا: أن تقولَ لا إلهَ إلاّ الله. أشهدُ لكَ بها عندَ الله. قال: يا ابنَ أخي، قد علمتُ إنَّك لصادِقٌ، ولكنِّي أكرَهُ أن يُقال: خَرِعَ عندَ المَوْت، ولولا أنْ تكُونَ عليكَ وعلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (قالَ الزجاج: أَجْمَعَ المسلمون)، والمذكورُ في ((تفسيرِه)): أجمعَ المفسرونَ أنها نزلتْ في أبي طالب. ثُمّ قال: وجائزٌ أنْ يكونَ ابتداءُ نزولِها بسببِ أبي طالب، وهيَ عامّةٌ لأنهُ لا يهدي إلا الله عزّ وجل، ولا يُرشِدُ ولا يُوفِّقُ إلا الله، وكذلكَ هوَ يُضِلُّ مَنْ يشاء.
رَوينا في ((صحيح البخاريِّ)) عنِ ابنِ المسَيّب، عنْ أبيه: أنّ أبا طالبٍ لمّا حَضَرَتْهُ الوفاةُ دخلَ عليهِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وعندَهُ أبو جهل؛ فقال: ((أي عمّ، قُل: لا إلهَ إلا الله؛ كلمةً أُحاجُّ لكَ بها عندَ الله)). فقالَ أبو جهلٍ وعبدُ الله بنُ أمية: يا أبا طالب، ترغبُ عنْ مِلّةِ عبدِ المطّلِب؟ فلَمْ يزالا يُكلِّمانِهِ حتى قالَ آخرَ شيءٍ كَلّمَهم به: على ملةِ عبدِ المطّلِب. فنزلَتْ: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}.
وعنْ مسلم والترمذيِّ عنْ أبي هُريرةَ قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لعمِّهِ عندَ الموت: ((قل: لا إله إلا الله؛ أشهدُ لكَ يومَ القيامة))؛ فأنزلَ الله: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}.
قولُه: (خرع عندَ الموت)، بالخاءِ المعجمةِ والراء. الجوهري: الخَرَعُ- بالتحريك-: الرّخاوةُ في كلِّ شيء؛ يُقال: خرع الرّجُلُ أي: ضَعُف. النِّهاية: ويُروى بالجيمِ والزاي؛ وهو: