{بِمَا صَبَرُوا} بصَبْرِهِم على الإيمانِ بالتَّوراةِ والإيمانِ بالقُرآن. أو: بصبْرِهِم على الإيمانِ بالقُرآنِ قبلَ نُزُولِه وبعدَ نُزُولِه. أو: بصبْرِهِم على أذى المُشرِكِينَ وأهلِ الكتاب.
ونحوهُ: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنٍ مِن رَّحْمَتِهِ} [الحديد: 28]. {بِالحَسَنَةِ السَّيِئَةَ} بالطّاعةِ المَعصيةَ المُتقدِّمة. أو: بالحِلمِ الأذى.
[{وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} 55]
{سَلَامُ عَلَيْكُمْ} تودِيعٌ ومُتارَكة. وعن الحَسنِ رضيَ الله عنه: كلمةُ حِلمٍ من المُؤمِنين {لاَ نَبْتَغِي الجَاهِلِينَ} لا نُريدُ مخالطَتهُم وصُحبَتَهُم، فإنْ قلت: مَن خاطبوا بقولِهم {وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ}؟ قلت: اللاّغِينَ الذينَ دَلَّ عليهِم قولُه: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ}.
[{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} 56]
{لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} لا تقدِرُ أن تُدْخِلَ في الإسلامِ كُلَّ مَن أحبَبتَ أنْ يدخُلَ فيه مِن قومِكَ وغيرِهم، لأنّك عبدٌ لا تعلمُ المَطبوعَ على قلبِه مِن غيرِه {وَلَكِنَّ اللهَ}
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (توديعٌ وتارَكة)، نقلَ في ((المطلع)) عَنِ الزجّاج: لَمْ يريدوا بقولِهم: {سَلاَمُ عَلَيْكُمْ} التحية؛ وإنما أرادوا: بيننا وبينَكُمُ المتاركةُ والتسليم، كأنهم قالوا: سَلِمْتُمْ مِنّا، لا نُعارِضُكُمْ بالشّتْمِ والأذى.
قولُه: ({لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}: لا تَقْدِر)، وإنما فسّرَهُ بهذا وعلله بقولِه: ((لأنكَ عبدٌ لا تَعلَمُ))؛ لأنّ كلمةَ الاستداركِ وُضِعَتْ لتدخُلَ بينَ كلامَيْنِ متغايِرَيْنِ نفيًا وإيجابًا، فإذا دَلّ قولُه: ((ولكنّ الله)) إلى آخرهِ على أنهُ تعالى يقدِرُ على الهدايةِ لعلمِهِ بالمهتدي، يجبُ أنْ يُفسّرَ قولُه: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} بقولِه: لا تقدِرُ على الهدايةِ لأنكَ عبدٌ لا تعلمُ المهتدي.