نزلَ عليهِم نُزولاً مُتَّصِلاً بعضُه في أثرِ بعض. كقولهِ: {وَمَ يَاتِيهِمِ مِن ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ} [الشعراء: 5].

[{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ} 52]

نزلتْ في مُؤمِنِي أهلِ الكتابِ. وعن رِفاعَةَ بنِ قَرَظة: نزلتْ في عَشَرةٍ أنا أحدُهم.

وقيل: في أربَعِينَ من مُسلِمِي أهلِ الإنجيل: اثنانِ وثلاثُونَ جاؤُوا مع جعفرٍ من أرضِ الحبشة، وثمانيةٌ من الشّام، والضّميرُ في {مِن قَبْلِهِ} للقُرآن.

[{وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} 53]

فإن قلت: أيُّ فرقٍ بينَ الاستئنافَيْن: إنَّهُ وإنّا؟ قلت: الأوّلُ تعليلٌ للإيمانِ به، لأنّ كونَه حقًّا من الله حقيقٌ بأنْ يؤمِنَ به. والثّاني: بيانٌ لقولِه: {آمَنَّا بِهِ}؛ لأنَّه يُحتَملُ أن يكونَ إيمانًا قريبَ العهدِ وبعيدَه، فأُخبِرُوا أنّ إيمانَهم به مُتَقادِمٌ؛ لأنَّ آباءَهمُ القُدَماءَ قَرؤُوا في الكُتُبِ الأُوَلِ ذكْرَه وأبناؤُهم من بعدِهم {مِن قَبْلِهِ}: من قَبْلِ وُجُودِه ونُزُولِه. {مُسْلِمِينَ}: كائِنينَ على دينِ الإسلام؛ لأنّ الإسلامَ صفةُ كُلِّ مُوَحِّدٍ مُصدِّقٍ للوَحْي.

[{أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} 54]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بأنْ وصَلْنا ذِكرَ الأنبياءِ أو أقاصيصَ مَنْ مضى، بعضَها ببعض. والحاصلُ أنّ الوصلَ يقتضي التتابُعَ وإنما يقال: وصل؛ إذا كانَ بينَ الكلامينَ اتصالٌ معنويٌ ومناسبة، أو اتصالٌ لفظيٌ بأنْ يكونَ الكلامُ متتابعًا مسرودًا لَمْ يقعْ بينَهُما فاصِلة.

قولُه: ({مِن قَبْلِهِ} مِنْ قَبْلِ وُجودِه)، قيل: أشارَ إلى مذهبِه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015