فَلم يَسْتَجِبْهُ عِندَ ذاكَ مُجِيبُ
حيثُ عُدِّيَ بغيرِ اللاّم؟ قلت: هذا الفعلُ يتعدّى إلى الدُّعاء بنفسِه وإلى الدّاعي باللاّم، ويُحذَفُ الدُّعاءُ إذا عُدِّيَ إلى الدّاعي في الغالب، فيُقال؛ استجابَ الله دعاءَه، أو استجابَ له، ولا يَكادُ يقال: استجابَ له دُعاءَه. وأمّا البيتُ فمعناه: فلم يستجِبْ دُعاءَه، على حذفِ المُضاف. فإن قلت: فالاستجابةُ تقتضي دُعاءً ولا دُعاءَ هاهنا.
قلت: قولُه: {فَاتُوا بِكِتَابٍ} أمرٌ بالإتيان، والأمرُ بعْثٌ على الفِعلِ ودُعاءٌ إليه، فكأنّه قال: فإنْ لم يستجِيبُوا دُعاءَك إلى الإتيانِ بالكتابِ الأهدى، فاعلمْ أنَّهم قد أُلزِمُوا لهم حُجّةٌ إلاّ اتباعُ الهوى، ثمّ قال: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ} لا يتّبعُ في دينِه إلاّ {هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللهِ} أي: مطبوعًا على قلبه، ممنوعَ الألطاف. {إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي} أي: لا يلطُفُ بالقوم الثّابِتينَ على الظُّلم؛ الذين اللاّطِفُ بهم عابثٌ. وقولُه: {بِغَيْرِ هُدًى} في موضِع الحال، يعني: مخذُولاً مُخلًّى بينَه وبينَ هواه.
[{وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} 51]
قُرِئ: {وَصَّلْنَا} بالتَّشدِيد والتَّخفيف. والمعنى: أنَّ القُرآنَ أتاهُم مُتتابعًا مُتواصلاً، وعدًا ووَعيدًا، وقَصصًا وعِبَرًا، ومَواعِظَ ونصائِح: إرادةَ أن يتذكَّرُوا فيُفلِحُوا. أو:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (فَلم يستجِبْهُ عندَ ذاكَ مُجيب)، أوّله:
وداعٍ دعا يا مَنْ يُجيبُ إلى الندى
أي: رُبّ داعٍ دعا: هلْ مِنْ مُجيبٍ إلى الندى؛ أي: هلْ أحدٌ يَمنَحُ المُستَمنِحِين؟ فلَمْ يُجِبْهُ أحد.
قولُه: ({وَصَّلْنَا}، بالتشديد: السبعة، وبالتخفيف: شاذة.
قولُه: (متتابعًا متواصلاً، وعدًا ووعيدًا)، قالَ الزجّاج: وَصَّلْنا لهُمُ القول؛ أي: فصّلناهُ