. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي عطفِهِ السببَ الأصليّ عليهِ مزيدُ العنايةِ بسببِ السبب؛ لكونِهِ مقصودَ السياق. وأيضًا في هذا النظمِ تنبيهٌ على سَبَبِيّةِ كلِّ واحدٍ منهما؛ أما الأوّلُ؛ فلاقترانِهِ بحرفِ التعليلِ وهوَ {أَن}. والثاني بالفاء، ولا يُعطي هذا المعنى إلا مِنَ المتلو. تمّ كلامُه.
وأما قضيةُ النظم؛ فإنّ قولَه: {وَمَا كُنتَ بِجانِبِ الغَرْبِيِّ}، {وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ}، {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا} تخلُّصاتٌ مِنْ ذِكرِ موسى إلى إثباتِ نُبوّةِ سيدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وإلزامِ الحُجّةِ على المعانِدينَ مِنْ أهلِ الكتابِ والمشركين. يعني: إنكَ تُخبِرُ عنْ هذهِ الغيوبِ وهُمْ عالِمونَ أنكَ أُمِّيٌّ لَمْ تقرا ولَمْ تأخُذْ مِن أحد، ولا أنتَ حضَرْتَ هناكَ فتُخبِرُ عنها؛ بحيثُ لم تَخْرُم حرفًا، ولَمْ يكنْ ذلك إلا مِنْ طريقِ الوحي كما قال: {وَلَكِن رَّحْمَةً مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتاهُم مِن نَّذِيرٍ}. والقومُ الذينَ ما أتاهُمْ مِنْ نذيرٍ هُمْ مشرِكو العَرَب، ولابدّ مِنْ إرسالِكَ إليهم؛ وإلا فلهُمْ أنْ يقولوا- إذا عوقِبوا بما قدّموا مِنَ الشِّرْكِ والمعاصي-: هلاّ أرسَلْتَ إلينا رسولاً فنتّبعَ آياتِك؟ وإلى هذا المعنى ينظُرُ قولُه: ((ولولا قولُهُم هذا إذا أصابَتْهُم مصيبة؛ لَما أرسلنا)) ويَعْضُدُ هذا الترتيبَ الفاءُ في قولِه: {فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا}؛ فإنها نحوُ قولِ الشاعر:
قالوا: خُراسانُ أقصى ما يُرادبِنا ... ثُمّ القفولُ، فقدْ جِئنا خُراسانا
وقولُه تعالى: {أَن تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلا َ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُم بَشيرٌ وَنَذِيرٌ} [المائدة: 19]. ووضْعُ المُظهَرِ وهوَ {الْحَقُّ} مَوْضِعَ المُضْمَر؛ فإنّ فيهِ الإشعارَ بقطعِ الحُجّة، وأنُه المؤيّدُ بالمعجزاتِ القاهرةِ والآياتِ الباهرة، والهادي إلى ما يُزلِفُهُم إلى المقامِ الأَسنى والدرجاتِ الحُسنى، ويُبعِدُهم عما يُوقِعُهُم في وَرَطاتِ الرّدي، ونحوَها مما يدخلُ تحتَ معنى الحق. المعنى: فلمّا جاءَهُم مثلُ هذا الحقِّ الساطِعِ والنورِ اللامعِ عندما كانوا أفقرَ شيءٍ إليه؛ تعامَوْا وتصامُّوا واقترحُوا عليهِ مِنَ الآياتِ ما ظَهَرَ بهِ عِنادُهم وتمرُّدُهُم؛ فقالُوا: {لَوْلاَ أُوتِيَ مَا أُوتِيَ مُوسَى}.