. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، {أَن تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلا َ نَذِيرٍ} [المائدة: 19]. فأجابَ بقولِه: ((القولُ هوَ المقصودُ بأنْ يكونَ سببًا لإرسالِ الرُّسُل)).

قالَ صاحبُ ((الفرائد)): لا شكّ أنّ ((أنْ)) في {أَن تُصِيبَهُم} مصدرية، وهيَ داخلةٌ على {فَيَقُولُوا}، وقدْ عُطِفَ على {تُصِيبَهُم} بالفاء؛ فالتقدير: لولا إصابتُهُم فيقولوا كذا؛ فيكونُ سببُ إرسالِ الرسلِ المجموعَ لا الواحدَ فحَسْب؛ فالواحدُ جزءُ السبب، وجزءُ السببِ لا يكونُ سببًا؛ فقولُه: ((القولُ هوَ المقصودُ بأنْ يكونَ سببًا لإرسالِ الرسل)) ليسَ بمستقيم، وكذا قولُه: ((جُعِلَتِ العقوبةُ كأنها سببُ الإرسالِ بواسطةِ القول)).

ويمكنُ أنْ يُقال: القولُ يكونُ سببًا على تقديرِ وجودِ العقوبة؛ فيكونُ القولُ سببًا لا المجموع. فالجوابُ أنْ يُقال: القولُ لمْ يكنْ سببًا في نفسِ الأمر، بلْ على التقدير، فإذا لمْ يكن القولُ بدونِ التقديرِ سببًا كانَ المجموعُ سببًا؛ لأنّا لا نعني بكوْنِ المجموعِ سببًا إلا تَوَقُّفَ المسببِ عليه، وقدْ كانَ متوقِّفًا عليه، وهوَ المطلوب. وقولُه: ((إنما السببُ في قولِهم هذا هوَ العقابُ لا غير، لا التأسُّفُ على ما فاتَهُم مِنَ الإيمانِ بخالقِهِم)) هذا قولٌ مجرّدٌ عنِ الدليل؛ لِمَ لا يجوزُ أنْ يكونَ السببُ هوَ المجموع؛ أعني: العقابَ والتأسف. تَمّ كلامُه.

وقلتُ: قولُ المصنِّف: ((هوَ المقصودُ بأنْ سببًا لإرسالِ الرسل)) لا يُنافي أنْ يكونَ لهُ سببٌ آخر، وأنّ المجموعَ ليسَ بسبب؛ بل المرادُ أنّ القولَ هوَ المقصودُ الأَوْلى مِنْ مجموع السبب. على أنّ هذهِ الآيةَ على وِزانِ قولِهِ تعالى: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، {أَن تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ}} [المائدة: 19]. ولا ارتيابَ في استقلالِ القولِ في السببية؛ فعلى هذا يحتاجُ في جَعْلِ العقوبةِ سببًا بإيلائه حرفَ الامتناعِ إلى عذر؛ ولهذا قال: ((لمّا كانتْ هيَ السببَ للقولِ ... ؛ جُعِلَتْ العقوبةُ كأنها سبب)) على التشبيه، ولابدّ لهذا العُدولِ والتشبيهِ مِنْ فائدة، وما هيَ إلا ما قال: إنهُم لَوْ لَمْ يُعاقَبوا على كُفرِهِم؛ لَمْ يقولوا ذلك.

الانتصاف: فإنْ قيل: كيفَ استقامَ جَعْلُ العقوبةِ سببَ الإرسالِ لا القول؛ لدخول حرفِ الامتناعِ عليها دُونَه؟ قلتُ: العقوبةُ سببُ القول؛ فهيَ سببُ السبب؛ فجُعلتْ سببًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015