لا القول، لدُخولِ حرفِ الامتناعِ عليها دُونَه؟ قلتُ: القولُ هو المقصودُ بأنْ يكونَ سببًا لإرسالِ الرُّسُل، ولكنَّ العقوبةَ لمّا هيَ السَّببُ للقول، وكانَ وجودُه بوُجودِها، جُعلتِ العقوبةُ كأنَّها سببُ الإرسالِ بواسطةِ القَول، فأُدخِلتْ عليها {لَوْلاَ}، وجِيءَ بالقَولِ معطوفًا عليها بالفاءِ المُعطِيةِ معنى السَّببِّية، ويؤولُ معناهُ إلى قولِك: ولولا قولُهم هذا إذا أصابَتْهُم مصيبةٌ لَمَا أرسَلْنا، ولكن اختِيرَتْ هذه الطَّريقةُ لنُكتةٍ، وهي: أنَّهم لو لمْ يُعاقَبُوا مثلاً على كُفرِهم وقد عايَنُوا ما أُلجِئُوا به إلى العلمِ اليَقِين؛ لم يَقُولُوا: {لَوْلاَ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً} وإنّما السَّببُ في قولِهم هذا هو العقابُ لا غيرُ؛ لا التَّأسُّفَ على ما فاتَهم من الإيمانِ بخالِقِهم. وفي هذا الشَّهادةِ القَوِيّةِ على استحكامِ كُفْرِهم ورسوخِه فيهم ما لا يخفى، كقولِه تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام: 28]. ولمّا كانتْ أكثرُ الأعمالِ تُزاوَلُ بالأيدي جُعِلَ كُلُّ عَمَلٍ مُعَبَّرًا عنهُ باجتراحِ الأيدي، وتقديمِ الأيدي، وإن كانَ من أعمالِ القُلُوب، وهذا من الاتِّساعِ في الكلام، وتصييرِ الأقَلِّ تابِعًا للأكثر، وتغليبِ الأكثَرِ على الأقلِّ.

[{لَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ} 48]

{لَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ} وهو: الرَّسولُ المصَدَّقُ بالكتابِ المُعجِزِ، مع سائرِ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قولُه: (جُعِلَ كلُّ عملٍ مُعبّرًا عنهُ باجتراح الأيدي)، ((جَعَلَ)) بمعنى: صَيّر، ومعبّرًا: ثاني مفعولَيْه. المعنى: عَبّرَ عنْ كلِّ الأعمالِ- وإنْ لَمْ يَصدُرْ عنِ اليدِ- باجتراح الأيدي؛ لأنّ الأصلَ في المزاوَلةِ والمعالَجةِ الأيدي. ونحوُهُ في الأسلوب: {فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ,} [البقرة: 283].

قولُه: (وهوَ الرسولُ المصدّقُ والكتاب المعجِز)، يعني: وضَعَ {الْحَقُّ} موضِعَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015