{يُرْجَعُونَ} بالضَّمِّ والفَتْحِ {فَأَخَذْنَهُ وَجُنُودَهُ, فَنَبَذْنَهُمْ فِي اَلْيَمِ} من الكلامِ الفَخْمِ الذي دلَّ به على عظمةِ شأنهِ وكبرياءِ سُلطانِه. شبَّههمُ استِحْقارًا لهم واستِقْلالاً لعَدَدِهِم، وإنْ كانُوا الكَثْرَ الكثيرَ والجَمَّ الغفير، بحَصَياتٍ أخَذَهُنَّ آخذٌ في كفِّهِ فطرحَهُنَّ في البحر. ونحوُ ذلك قولُه: {وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ} [المرسلات: 27]، {وَحُمِلَتِ اَلْأَرْضُ وَالجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةُ وَاحِدَةً} [الحاقة: 14]، {وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ, وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ, يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتُ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] وما هيَ إلاّ تصويراتٌ وتمثيلاتٌ لاقتدارِه، وأنّ كُلَّ مقدورٍ وإنْ عَظُمَ وجَلَّ، فهُو مُستَصْغَرٌ إلى جنبِ قُدرتِه.
[{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ} 41 - 42]
فإن قلت: ما معنى قولِه: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ}؟ قلت: معناه: ودَعَوناهم أئمّةً دُعاةً إلى النّار، وقُلنا: إنَّهم أئمِّةٌ دعاةٌ إلى النّار، كما يُدعى خلفاءُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: ({يُرْجَعُونَ} بالضمِّ والفتح)، نافعٌ وحمزةُ والكسائي: بالفتح، والباقون: بالضم.
قولُه: (دَعَوْناهُم أئمة ... ، وقُلنا: إنّهُمْ أئمةٌ دُعاةٌ إلى النار)، قالَ مُحيي السُّنّة: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً} قادةً رؤساءَ يَدْعُونَ إلى النار، وقالَ الإمام: قد تمسّكَ الأصحابُ بها في كونِهِ تعالى خالقًا للخيرِ والشر.
الانتصاف: لا فرقَ عِندَنا بينَ قولِه: {وَجَعَلَ لظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام: 1] {وَجَعَلْنَا اَلَّيْلَ والْنَّهَارَ آيَتَيْنِ} [الإسراء: 12] وبينَ هذهِ الآية؛ فمَنْ حَمَلَ الجَعلَ على التسميةِ هاهنا فهوَ بمثابةِ مَنْ حملَهُ على التسميةِ هناك.