وأمْرُ هامانَ -وهو وزيرُه ورديفُه- بالإِيقادِ على الطِّين منادَى باسمه بـ ((يا)) في وسَطِ الكلام؛ دليلُ التّعظيمِ والتَّجَبُّر. وعن عُمرَ رضيَ الله عنهُ أنَّه حينَ سافَرَ إلى الشّام ورأي القُصورَ المُشَيَّدةَ بالآجُرِّ قال: ما علمتُ أنّ أحدًا بني بالآجُرِّ غيرُ فرعون. والطُّلُوعُ والاطِّلاع: الصُّعود. يقال: طَلَعَ الجبلَ واطَّلَع: بمعنى.
[{اسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} 39 - 40]
الاستكبارُ بالحقِّ: إنّما هو لله عزّ وجلّ، وهو المُتَكَبِّرُ على الحقيقة، أي: المُتبالِغُ في كبرياءِ الشَّأن. قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فيما حَكى عن ربِّه: ((الكبرياءُ ردائي، والعَظَمةُ إزاري؛ فَمن نازَعَني واحدًا منهُما ألقيتُه في النّار)). وكُلُّ مُستَكبِرٍ سِواهُ فاستكبارُه بغيرِ الحقِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعالى بقولِه: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ,} [الرعد: 17] عَنِ الفِلِز، ويناسبُهُ نداؤهُ هامانَ بـ ((يا)) وهوَ قريبٌ حاضر؛ لكنْ بعيدٌ مِنْ حيثُ المرتَبة.
قولُه: (بـ ((يا)) في وسطِ الكلام)، يعني أنّ هامانَ كانَ حاضرًا بينَ الملأ، وداخلاً في الخطاب؛ بلْ هوَ المخاطَبُ الأوّلُ لكونِهِ وزيرَهُ ومُشيرَه؛ فاختصاصُهُ مِنْ بينِهِم بالنداء، ثُمّ بـ ((يا)) الدّالةِ على البعيد، ثُمّ تصريحُهُ باسمِه- ما كانَ إلا إظهارًا للكبرياء. قالَ صاحبُ ((المفتاح)): ((يا)) في مثلِ هذا المقامِ تبعيدٌ للمنادى وإيذانٌ بالتهاوُنِ به.
قولُه: (الكبرياءُ ردائي)، الحديثُ رواهُ أبو داودَ عن أبي هُريرةَ مع تغييرٍ يسير، ولمسلمٍ روايةٌ على غيرِ هذه العبارة.