فقُلْتُ لهمْ ظُنُّوا بألفَيْ مُدَجَّجٍ

ويكونُ بناءُ الصَّرح مناقضَةً لِما ادَّعاهُ من العلمِ واليَقِين، وقد خَفِيَتْ على قومِه لغباوَتِهم وبَلَهِهِم. أو لمْ تَخفَ عليهم، ولكنّ كلاًّ كانَ يخافُ على نفسِه سوطَه، وسيفَه، وإنّما قال: {فَأَوْقِدْلِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ}، ولم يقُل: اطبُخ لي الآجرَّ واتَّخِذْه، لأنَّه أوّلُ من عَمِلَ الآجُرَّ، فهو يُعَلِّمَه الصَّنعة، ولأنَّ هذه العبارةَ أحسنُ طِباقًا لفصاحةِ القُرآنِ وعلوِّ طبقتِه، وأشبهُ بكلامِ الجبابرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قولُه: (فقلتُ لهمْ ظُنُّوا بألفَيْ مُدَجّجٍ)، تَمامُه:

سَراتُهُمُ في الفارسيِّ المُسَرّد

مُدَجّج: مُغطّى في السلاح؛ مِنْ: دَجّجَتِ السماءُ إذا تَغَيّمَت، والسّراة: الرؤساء، وظُنُّوا -بضمِّ الظاء-: أمر، الفارسي: الدِّرْعُ المنسوبُ إلى الفارس، وهوَ مَثَلٌ في الجودة. يُنذِرُ قومًا بهجومِ جيشٍ تامِّ السلاح؛ أي: قلتُ لهم: أَيْقِنُوا بإتيانِ ذلكَ الجيش.

قولُه: (أحسَنُ طِباقًا لفصاحةِ القرآن)، قالَ صاحبُ ((المثل السائر)): فانظرْ إلى قولِهِ تعالى: {فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ}؛ فإنُه لَمّا جيءَ بما يقتضي أنْ يَذكُرَ لفظَ ((الآجُرّ)) عَدَلَ مِنهُ إلى هذهِ العبارة، ولم يَذْكُرْ لفظَ ((القَرْمَد)) كما فَعَلَ النابغة:

أو دُمْيةٍ في مَرْمَرٍ مرفوعةٍ ... بُنِيَتْ بآجُرٍّ يُشادُ بقَرْمَدِ

فإنّ أُولى العبارتَيْنِ مُبتَذَلةٌ سخيفةٌ متداوَلةٌ بينَ العامة، والثانيةُ متنافِرةٌ وحْشِيّةٌ غريبةٌ يضعانِ الكلامَ مِنْ قَدْرِه.

قولُه: (وأشبَهُ بكلامِ الجبابرة)، أي: أَوْقِدْ لي على هذا الشيءِ المسمّى بالطين؛ كأنُه شيءٌ حقيرٌ لا يصلُحُ مِنْ مثلِ الملوكِ أنْ يتلفّظَ به، ويَدخُلُ في تسميتِهِ في زُمْرةِ العامة؛ كما عَبّرَ الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015