إلاّ لأجْلِه؛ لِيتَلقَّوا خاتِمةَ الخَيرِ وعاقِبةَ الصِّدقِ، ومَن عَمِلَ فيها خلافَ ما وضَعَها الله لهُ فقد حرّف؛ فإذن عاقبتُها الأصْليّةُ هي عاقِبةُ الخَيرِ. وأمّا عاقبةُ السُّوءِ فلا اعتِدادَ بها؛ لأنّها من نتائِج تحريفِ الفُجّار. وقرأَ ابنُ كثيرٍ: (قال موسى) بغيرِ واوٍ، على ما في مصاحفِ أهلِ مكّةَ، وهي قراءةٌ حسنةٌ؛ لأنَّ الموضِعَ مَوضِعُ سؤالٍ وبحثٍ عمّا أجابَهُم به مُوسى عليه السَّلامُ عند تسمِيتَهِم مِثْلَ تلك الآياتِ الباهرةِ سِحرًا مُفترى. ووجهُ الأُخرى: أنَّهم قالُوا ذلك. وقالَ مُوسى عليه السَّلامُ هذا، ليُوازِنَ النّاظِرُ بينَ القَوْلِ والقَوْلِ، ويتبصّرَ فسادَ أحدِهِما وصحّةَ الآخَر، وَبِضِدِّهَا تَتَبيَّنُ الأشياءُ. وقُرئَ: {تَكُونُ} بالياءِ والتّاء.

[{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} 38]

رُويَ أنّه لمّا أَمَر ببِناءِ الصَّرح، جَمعَ هامانُ العُمّال حتّى اجتمعَ خمسونَ ألفَ بنّاءٍ سوى الأتباعِ والأُجَراء، وأمرَ بطَبْخِ الآجُرِّ والجِصِّ، ونَجَرَ الخشبَ وضَرَبَ المَسامِير، فشيَّدُوه حتّى ما لمْ يبلُغهُ بنيانُ أحدٍ من الخَلْق، فكان الباني لا يقدِرُ أن يقِفَ على رأسِه يبنى، فبعثَ الله تعالى جبريلَ عليهِ السَّلامُ عند غُروبِ الشَّمس، فضربَه بجَناحِه فقَطَعَه ثلاثَ قِطَع: وقعتْ قطعةٌ على عَسْكَرِ فِرعَونَ فقتلتْ ألفَ ألف رجُلٍ، ووقعتْ قطعةٌ في البحر، وقِطعةٌ في المغرِب، ولم يبقَ أحدٌ من عُمّالِه إلاّ قد هَلَك.

ويُروى في هذه القصّة: أنَّ فرعونَ ارتقى فوقَه فرمى بنُشّابِه نحوَ السّماء، فأرادَ الله أن يَفتِنَهم فرُدَّت إليه وهي ملطوخةٌ بالدَّم؛ فقالَ: قد قتلتُ إله موسى، فعندَها بعثَ الله جبريلَ عليهِ السَّلامُ لهَدْمِه، والله أعلمُ بصحّتِه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قولُه: (وقُرِئَ {يَكُونَ} بالياءِ والتاء)، حمزةُ والكسائي: بالياءِ التحتانية، والباقون: بالتاء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015