من قرأ: (ردءًا يُصَدِّقُوني)، وفيها تقوِيةٌ للقراءةِ بجَزْمِ (يُصَدِّقْني).
[{قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} 35]
العَضُدُ: قَوامُ اليَدِ، وبِشِدَّتِها تشتَدُّ. قالَ طَرَفةُ:
أبَني لُبَينَى لَستُمُ بِيَد ... إلاَّ يدًا ليسَتْ لَها عَضُدُ
ويُقالُ في دُعاءِ الخَير: شَدَّ الله عَضُدَك، وفي ضِدِّه: فتَّ الله في عَضُدِك. ومعنى {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} سنُقَوِّيك به ونعينُك، فإِمّا أن يكونَ ذلك لأَنَّ اليَدَ تشتَدُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معي ليكونَ سببًا لأنْ يُصدِّقَني قومي. فقيلَ له: لِمَ ذلك؟ فأجاب: إني أخافُ أنْ يُكذِّبون. وهوَ الوجه؛ لأنُه مقابلٌ لقولِه: {فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ}. ولمّا كانَ جُلّ غَرَضِهِ عليهِ السلامُ الدينُ وكانَ يُؤْثِرُه على حظِّ نفسِه؛ جاءَ بـ ((أنْ)) في هذا التعليل، وبالفاءِ في الأوّل؛ لأنُه تعليلٌ لتصديقِ القوم، كأنُه قيل: أَرْسِلْهُ معي رِدْءًا لأَن يُصَدِّقْني قومي؛ لأني أخافُ أنْ يُكذِّبون.
قولُه: (وفيها)، أي: في قراءةِ ((يُصدِّقوني)) تقويةٌ لقراءةِ مَنْ جَزَم؛ لأنّ ((يُصدِّقوني)) لا يصلحُ أنْ يكونَ صفةً لقولِه: {رِدْءًا}؛ لعَدَمِ المطابقة؛ فتعيّنَ أنْ يكونَ جوابًا؛ وذلكَ لأنّ كلتا القراءتَيْنِ تدلُّ على أنّ الإرسالَ علةٌ للتصديق، وتقريرُه: أنْ يُصدِّقوني؛ استئنافٌ كأنهُ قيل: لِمَ تَرسِلُه؟ فقيلَ في الجواب: يُصدِّقوني أي: لَأجْلِ أنْ يُصَدِّقوني؛ اعتمادًا على فهمِ السامِع. و ((يُصدِّقْني)) بالجزمِ جوابُ الأمر؛ فيكونُ معناه: أنْ تُرسِلَهُ معي يُصَدِّقْني؛ فالأوّلُ سببٌ للثاني.
قولُه: (أَبَني لُبَيْني) البيت، لُبَيْني: مُصَغّرٌ اسمُ أَمة؛ عَيّرَهُم بكَوْنِهم أبناءَ أَمة، ونَصَبَ ((يدًا))، والمستثنى منهُ مجرورٌ بالباء؛ فجعلَ الاستثناءَ مِنَ مَوضِعِ الباءِ لا مِنْ لفظِه.
قولُه: (ومعنى {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ}: سنُقَوِّيكَ بهِ ونُعينُك؛ فإمّا أنْ يكونَ)،