لمّا قلبَ الله العصا حيّةً: فَزِعَ واضطربَ، فاتَّقاها بيدِه كما يفعلُ الخائفُ من الشَّيءِ، فقيلَ له: إنَّ اتِّقاءَك بيدِك فيه غَضاضةٌ عند الأعداء. فإذا ألقَيْتَها فكما تنقلِبُ حيّةً، فأدخِلْ يدَكَ تحتَ عَضُدِك مكانَ اتِّقائِك بها، ثُمَّ أخرِجْها بيضاءَ ليَحصُلَ الأمرانِك اجتنابُ ما هو غضاضةٌ عليك، وإظهارُ مُعجِزةٍ أُخرى. والمرادُ بالجَناحك اليدُ؛ لأنَّ يدَيِ الإنسانِ بمنزلة جناحَيِ الطّائر. وإذا أدخلَ يدَه اليُمنى تحتَ عَضُدِ يدِه اليُسرى، فقد ضمَّ جناحَه إليه. والثّاني: أن يرادَ جناحِه إليه: تجلُّدُه وضبطُه نفسَه. وتشدُّدُه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ} تعليمًا لهُ مكانَ اتقائِه بها. وفي الحقيقةِ قولُه: {اسْلُكْ يَدَكَ}، {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} أمرٌ واحد؛ لأنّ معناه: اجعَلْ يَدَكَ اليُمْنى تحتَ عَضُدِكَ اليُسرى؛ لأنّ الجَناحَ عبارةٌ عنِ اليد، لكنْ صيّرَهُما شيئَيْن، ليُعَلِّقَ بكلٍّ غرضًا، وإليهِ الإشارةُ بقولِه: ((وإنما كَرّرَ المعنى الواحدَ لاختلافِ الغرضَيْن؛ وذلكَ أنّ الغَرَضَ في أحدِهِما خروجُ اليدِ بيضاء، والثاني إخفاءُ الرهب)) والإمامُ نقلَ الجوابَيْنِ مِنْ غيرِ زيادةٍ ونقصان، وقال: أحسنُ الناسِ كلامًا فيهِ صاحبُ ((الكشاف)).

قولُه: (فاتّقاها بيدِه)، أي: جَعَلَ يَدَهُ حاجزةً بينَهُ وبيْنَ المخوفِ كما في حديثِ عليٍّ رَضِيَ الله عنه: ((كنا اتّقَيْنا إذا اتّقَيْنا برسُولِ الله صلى الله عليه وسلم؛ فلَمْ يَكُنْ إلى العدوِّ أقربُ مِنه)).

قولُه: (غضاضة)، يُقال: غَضّ مِنهُ يَغُضُّ غضاضة؛ أي: وَضَعَ ونَقَصَ مِنْ قَدْرِه. و ((كما)) -في قولِه: ((فكما تنقلِب)) - مثلُه في قولِ بعضِهِم: كما أنهُ لا يعلمُهُ فغفرَ الله له، نقلَهُ المالكيُّ عنْ سيبويهِ. وقالَ في ((اللُّباب)): الكافُ في قولِهم: كما حَضَرَ زيدٌ قامَ عمروٌ للقِرانِ في الوُقوع.

قولُه: (أنْ يُرادَ بضَمِّ جَناحِهِ [إليه]: تجلُّدُهُ وضبطُهُ نَفْسَه)، يعني: قولُه: {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} كنايةٌ عنْ تجلُّدِهِ وضبطِه، وهوَ مأخوذٌ مِنْ فِعْلِ الطائرِ عندَ الأمنِ بعدَ الخوف؛ فيكونُ بهذا الوجهِ مستعارًا على التمثيل، والحاصلُ أنهُ في الأصلِ مستعارٌ مِنْ فعلِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015