الثَّمان {فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ} أي: لا يُعتَدى عليَّ في طلبِ الزِّيادةِ عليه. فإن قلتَ: تصوُّرُ العُدوانِ إنَّما هو في أحدِ الأجَلَيْن الذي هو الأقصَرُ؛ وهو المُطالبةُ بَتتِمَّةِ العَشْر، فما معنى تعليقِ العُدوانِ بهما جميعًا؟ قلتُ: معناهُ كما أنِّي طُولِبْتُ بالزِّيادةِ على العَشْرِ كان عُدوانًا لا شكَّ فيه، فكذلك؛ إن طُولِبتُ بالزِّيادةِ على الثَّمان. أرادَ بذلك تقريرَ أمرِ الخيار، وأنّه ثابتٌ مُستقِر، وأنَّ الأجلين على السَّواءِ: إمّا هذا وإمّا هذا من غيرِ تَفاوُتٍ بينَهُما في القضاءِ، وأمّا التَّتمّةُ فموكُولةٌ إلى رأيي: إن شئتُ أتيتُ بها، وإلاّ لم أُجْبَرْ عليها. وقيل: معناه فلا أكونُ معتديًا، وهو في نفيِ العُدوانِ عن نفسِه، كقولِك: لا إثمَ عليَّ، ولا عليَّ. وفي قراءةِ ابنِ مسعودٍ: (أيَّ الأجلينِ ما قضيتُ). وقرئَ: (أيْما) بسُكونِ الياءِ، كقولِه:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (وقُرِئَ ((أيْما)) بسكونِ الياء)، قالَ ابنُ جِنِّي: ((هيَ قراءةُ الحَسَن، وفي تخفيف هذهِ الياءِ طريقان:
أحدُهما: تضعيفُ الحرف، وقد امتدَّ عنهُمْ حذفُ أحدِ المثلَيْن؛ نحو: أحَسْتُ وأمَسْتُ.
والآخرُ: أنّ الياءَ حرفٌ ثقيلٌ مُنفَرِدة؛ فكيفَ بِها إذا ضُعِّف؟ واعلَمْ أنّ ((أيا)) عندَنا مِمّا عينُهُ واوٌ ولامُهُ ياء؛ فهوَ مِنْ بابِ ((أوَيْت)) قياسًا واشتقاقًا. أما القياسُ؛ فإنّ الأصلَ ((أوي)) فاجتمعَ الواوُ والياء، وسُبِقَتِ الواوُ بالسكونِ فقُلِبَتْ ياءً وأُدغِمَت. وأما الاشتقاقُ؛ فإنها أينَ وقَعَتْ هيَ بعضٌ مِنْ كل، كقولِنا: أيُّ الناسِ عندَك؟ وبعضُ الشيءِ آوٍ إلى جميعِه؛ فأصلُها على هذا ((أوي)) ثُمّ أُدغِمَتْ كما مضى. فإذا حُذِفَتِ الياءُ تخفيفًا؛ فإنها الثانية، فإذا زالتِ الثانية؛ أَوْجَبَ القياسُ أنْ تعودَ الأولى إلى أصلِها وهوَ الواو؛ فيُقال: أَوْ ما الأجَلَيْنِ قَضَيْت. والذي يَحْسُنُ عندِي إظهارُ العينِ ياء، وإنما حُذِفَتِ اللامُ تخفيفًا وهيَ مَنْوِيّةٌ مُرادة؛ فقُلِبَتِ العينُ ياءً لِيَدُلّ على إرادةِ الياءِ هيَ اللام، كما صَحّتِ الواوُ الثانيةُ في