من الهُزال، ما سأَل الله إلاّ أكلةً. ويُحتَمَلُ أن يريد: إنِّي فقيرٌ من الدُّنيا لأجْلِ ما أنزلتَ إليَّ من خَيرِ الدّين؛ وهو النَّجاةُ من الظالمينَ؛ لأنَّه كان عندَ فرعونَ في مُلْكٍ وثَرْوة: قال ذلك رِضًا بالبَدَلِ السَّنِيِّ، وفَرَحًا به، وشُكْرًا له، وكان الظِّلُّ ظِلَّ سَمُرَةٍ. {عَلَى اسْتِحْيَآءٍ}: في موضعِ الحال، أي: مُستَحيِيَةً مُتَخَفِّرَةً. وقيل: قد استَتَرَت بِكُمِّ دِرعِها. رُوِيَ أنّهما رَجَعَتا إلى أبِيهٍما قبلَ النّاسِ، وأغنامُهُما حُفَّلٌ بطانٌ، قال لهُما: ما أعجَلَكُما؟ قالتا: وجدْنا رجُلاً صالحًا رحِمَنا فسقى لنا، فقال لإحداهُما: اذهبي فادعِيه لي، فتَبِعَها مُوسى فألزَقَتِ الرِّيحُ ثوبَها بجَسَدِها فوصَفَتْه، فقال لها: امشي خَلْفي وانعَتِي ليَ الطَّريق، فلّما قصّ عليه قصَّتَه قال له: لا تخفْ فلا سُلطانَ لفرعونَ بأرضِنا.

فإن قلت: كيف ساغَ لمُوسى أن يعملَ بقولِ امرأة، وأن يمشيَ معها وهي أجنبيَّة؟

قلتُ: أمّا العملُ بقولِ امرأةٍ؛ فكما يُعمَلُ بقولِ الواحدِ حرًّا كانَ أو عبدًا، ذكرًا كان أو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قولُه: (إني فقيرٌ مِنَ الدُّنيا لأجلِ ما أَنزَلْتَ إليّ)، ((ما)) _على هذا_ موصولةٌ، و ((من)) بيان، والتنكيرُ في ((خير)) للنوعِ والتعظيم؛ ولذلكَ أضافَهُ إلى الدِّين. وعلى الأوّلِ ((ما)) موصوفة، والتنكيرُ للشيوع؛ ومِن ثُمّ قُدِّرَ أوّلاً لأيِّ شيء، وثانيًا قليلٍ أو كثير، غَثٍّ أو سمين. وأما فائدةُ الماضي في ((ما أنزلت)) على التأويلِ الثاني؛ فظاهِر، وأما على الأَوّل؛ فللاستعطاف، أي: ربِّ إني سائلٌ الآنَ ما كنتُ أَعهَدُه في الأيامِ الماضيةِ مِمّا أَسُدُّ بهِ جَوْعتي مِن قليلٍ أو كثير، غثٍّ أو سمين؛ لأني مُحتاجٌ إليه؛ لأنّ معنى التضمينِ أنْ يُقال: أنا سائلٌ الطعامَ في حالِ كوني محتاجًا إليه. ويؤيِّدُ هذا التأويلَ قولُه: ((ما سألَ الله إلا أكلة))، وقولُ ابنِ عباسٍ رَضِيَ الله عنهما: سألَ الله فلق خُبْزٍ بهِ صُلْبَه.

قولُه: (مُتَخَفِّرة)، الجوهري: الخَفَرُ- بالتحريكِ- شِدّةُ الحياء، تقولُ منه: خَفِرٌ - بالكسرِ-، وجاريةٌ خَفِرةٌ ومُتَخَفِّرة.

قولُه: (حُفَّل)، جَمْعُ حافِل. الجوهري: ضِرْعٌ حافِل؛ أي: مُمتَلِئٌ لبنًا.

قولُه: (فوَصَفَتْه)، الأساس: ومِنَ المجاز: وَجْهُها يَصِفُ الحُسْن، ومعناهُ ما سَبَقَ آنفًا، وهوَ ما يُرى عليهِ مِنْ آيتِهِ البيِّنةِ التي لا تَخفى على الناظر، إلى آخرهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015