رَحِمَهُما لأنَّهما كانَتا على الذِّيادِ وهُم على السَّقْي، ولم يَرحَمْهما لأنّ مذُودَهُما غَنَمٌ ومَسقِيَّهُم إبِلٌ مثلاً، وكذلك قولُهما {لاَ نَسقِي حَتَّى يُصْدِرَ اَلرِّعَاءُ} المقصودُ فيه السَّقْيُ لا المَسْقِيُّ.

فإن قلتَ: كيفَ طابقَ جوابُهما سؤالَه؟ قلتُ: سألَهُما عن سببِ الذَّودِ فقالَتا: السَّبَبُ في ذلك أنّا امرأتانِ ضعيفتانِ مَسْتُورَتان لا نقدِرُ على مساجَلَةِ الرِّجالِ ومزاحَمَتِهم، فلابُدَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إليهِ صاحبُ ((المفتاح)) مِنْ أنّ القصدَ في تركِ المفعولِ إلى مجرّدِ الاختصار؛ لانصبابِ الكلامِ إلى إرادةِ: يسقونَ مواشيهم، إلى آخرِه؟

قلتُ: نعم؛ لأنهُ نَظَرَ إلى اللفظ، وأنّ التركَ لصونِ الكلام عنِ العبثِ لنيابة قرائن الأحوال. والمصنِّفُ نَظَرَ إلى المعنى وأنّ المفعولَ مرفوضٌ غيرُ مُلتَفَتِ إليه؛ فلِكُلِّ وِجْهة.

فإنْ قلتَ: فعلى هذا يكونُ مِن تنزيلِ المتعدِّي منزلةَ اللازِمِ إيهامًا للمبالَغة؛ فأينَ المبالَغة؟ قلتُ: وَهْمٌ بعيد؛ لأنّ معنى قولِه: ((الغرضُ هوَ الفعلُ لا المفعول)) أنّهمْ قدْ يقصِدونَ في الكلامِ المحتوِي على معانٍ إلى معنَى منها قصدًا أوليًّا، ويوهِمونَ أنّ ما سِواهُ مُطّرَح؛ ألا ترى إلى قولِه في تفسيرِ قولِه تعالى: {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} [يس: 14]: تَرَكَ المفعولَ به؛ لأنَّ الغرضَ المعزّزَ بهِ وإنْ كانَ الكلامُ مُنصَبًّا إلى غَرَضٍ مِنَ الأغراضِ جَعَلَ سياقَهُ لهُ وتوجُّهَهُ إليه، كأنّ ما سِواهُ مرفوضٌ مطروح.

قولُه: (كيفَ طابقَ جوابُهما سؤالَه؟ )، يعني أن موسى عليه السلامُ سألَهُما عنْ شأنِهِما ومطلوبِهِما بقولِه: {مَا خَطْبُكُمَا} وكانَ الظاهرُ أنْ يقولا: شأنُنا أنّنا نريدُ السّقي، ولا قُدرةَ لنا عليه مِنَ الزحمة. وأجاب: إنّ جوابَهما {لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ اَلْرِّعَاءُ وأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} معناه: سَبَبُ ذَوْدِنا ضَعْفُنا وعَجْزُنا وضَعْفُ مُتَوَلِّي أَمْرِنا؛ وهُوَ أبونا. وفي اختصاصِهِما الأبَ بالذكرِ الدلالةُ على أنْ ليسَ لَهُمْ رَجُلٌ يقومُ بذلك؛ فأَوْجَبَ ذلكَ أنْ يُفَسّرَ قولُه: {مَا خَطْبُكُمَا} بقولِنا: ما سببُ ذَوْدِكما؟ لِيَتَطابَقا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015