الأعمال وفساد العقائد، ولا يلتفت إلى ما هو الرذالة عندهم، ثم يبنى جوابه على ذلك فيقول: ما علىّ إلا اعتبار الظواهر، دون التفتيش عن أسرارهم والشق عن قلوبهم، وإن كان لهم عمل سيئ، فالله محاسبهم ومجازيهم عليه، وما أنا إلا منذر لا محاسب ولا مجاز (لَوْ تَشْعُرُونَ) ذلك، ولكنكم تجهلون فتنساقون مع الجهل حيث سيركم، وقصد بذلك ردّ اعتقادهم وإنكار أن يسمى المؤمن رذلا، وإن كان أفقر الناس وأوضعهم نسبا، فإن الغنى غنى الدين، والنسب نسب التقوى. (وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ) يريد: ليس من شأني أن أتبع شهواتكم وأطيب نفوسكم بطرد المؤمنين الذين صح إيمانهم طمعا في إيمانكم، وما علىّ إلا أن أنذركم إنذارا بينا بالبرهان الصحيح الذي يتميز به الحق من الباطل، ثم أنتم أعلم بشأنكم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فعلى هذا، التعريف في {الْأَرْذَلُونَ}: للجنس، وعلى الأول: للعهد، لما كان بين نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وبين القوم ناس أراذل بادي الرأي بزعمهم، ولذلك استشهد بقوله: {إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّايِ} [هود: 27].

قوله: (رذلاً)، بسكون الذال المعجمة. الجوهري: الرذل: الدون الخسيس.

قوله: (فإن الغنى غنى الدين)، روينا عن البخاري ومسلم والترمذي، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس".

قوله: (ليس من شأني أن أتبع شهواتكم)، يريد أن إيلاء الضمير حرف النفي في قوله تعالى: {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ}، نحو قوله: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} [هود: 91]، دل على أنهم زعموا أنه موصوفٌ بصفتين، إحدا هما: اتباع أهوائهم بطرد المؤمنين، لأجل أن يؤمنوا. وثانيتهما: أنه نذيرٌ مبين، لأنه جوابٌ عن قولهم: {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} فقصر الحكم على الثاني دون الأول، وإليه الإشارة بقوله: ما علي إلا أن أنذركم إنذاراً مبيناً، إلى قوله: "ثم أنتم أعلم بشأنكم".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015