تعالى: {وَلَا تأكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188]، فقيل لهم: ليس على الضعفاء {وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} - يعني: عليكم وعلى من في مثل حالكم من المؤمنين- حرجٌ في ذلك.
وعن عكرمة: كانت الأنصار في أنفسها قزازة، فكانت لا تأكل من هذه البيوت إذا استغنوا. وقيل: كان هؤلاء يتوقون مجالسة الناس ومؤاكلتهم، لما عسى يؤدي إلى الكراهة من قبلهم، ولأن الأعمى ربما سبقت يده إلى ما سبقت عين أكيله وهو لا يشعر، والأعرج يتفسح في مجلسه ويأخذ أكثر من موضعه فيضيق على جليسه، والمريض لا يخلو من رائحةٍ تؤذي أو جرح يبض أو أنفٍ يذن، ونحو ذلك. وقيل: كانوا يخرجون إلى الغزو ويخلفون الضعفاء في بيوتهم، ويدفعون إليهم المفاتيح، ويأذنون لهم أن يأكلوا من بيوتهم، وكانوا يتحرجون. حكي عن الحارث بن عمرو:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (يعني: عليكم وعلى من في مثل حالكم)، يريد أن أنفسكم في الآية عبارةٌ عن أمثال الرجل في عقله القرابة، كما قال: {فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 54] في الوجه.
روى محيي السنة عن مجاهدٍ: وكان أهل الزمانة يدخلون على الرجل لطلب الطعام، فإذا لم يكن عنده ما يطعمهم ذهب بهم إلى بيوت من سماه الله تعالى في هذه الآية، وكان أهل الزمانة يتحرجون من ذلك الطعام، ويقولون: ذهب بنا إلى بيت غيره؟ فأنزل الله هذه الآية.
قوله: (قزازة)، الجوهري: التقزر: التنطس والتباعد من الدنس. وقد تقزز من أكل الضب وغيره، وهو رجل قز بالضم، والفتح والكسر لغات.
قوله: (أو جرحٍ يبض، أو أنفٍ يذن)، الجوهري: بض الماء يبض: إذا سال قليلاً قليلاً. الذنين: مخاطٌ يسيل من الأنف، والذنان بالضم: مثله.