التبرج، ولكن التخفف إذا احتجن إليه. والاستعفاف من الوضع خيرٌ لهن. لما ذكر الجائز عقبه بالمستحب، بعثاً منه على اختيار أفضل الأعمال وأحسنها، كقوله: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237]، {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 280]. فإن قلت: ما حقيقة التبرج؟ قلت: تكلف إظهار إخفاؤه، من قولهم: سفينة بارج: لا غطاء عليها. والبرج: سعة العين، يرى بياضها محيطاً بسوادها كله لا يغيب منه شيء، إلا أنه اختص بأن تتكشف المرأة للرجال بإبداء زينتها وإظهار محاسنها. وبدا وبرز بمعنى: ظهر، من أخوات: تبرج وتبلج، كذلك.
[{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَاكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آَبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَاكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} 61].
كان المؤمنون يذهبون بالضعفاء وذوي العاهات إلى بيوت أزواجهن وأولادهم وإلى بيوت قراباتهم وأصدقائهم فيطعمونهم منها، فخالج قلوب المطعمين والمطعمين ريبةٌ في ذلك، وخافوا أن يلحقهم فيه حرج، وكرهوا أن يكون أكلاً بغير حقٍّ، لقوله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أي: لا منار فيه فيهتدى به. كذا هاهنا لا زينة لهن فيتبرجن بها، وإذا كان استعفاف هؤلاء خيراً لهن فما ظنك بذوات الزينة؟ وأبلغ من ذلك جعله عدم وضع الثياب من القواعد من الاستعفاف، إيذاناً بأن وضع الثياب لا مدخل له في العفة، هذا في القواعد، فكيف بالكواعب؟ وقلت: وهذا معنى حسنٌ دقيق.