أنه خرج غازياً وخلف مالك بن زيدٍ في بيته وماله، فلما رجع رآه مجهوداً، فقال: ما أصابك؟ قال: لم يكن عندي شيء، لم يحل أن آكل من مالك، فقيل: ليس على هؤلاء الضعفاء حرجٌ فيما تحرجوا عنه، ولا عليكم أن تأكلوا من هذه البيوت.

وهذا كلامٌ صحيح، وكذلك إذا فسر بأن هؤلاء ليس عليهم حرجٌ في القعود عن الغزو، ولا عليكم أن تأكلوا من البيوت المذكورة، لالتقاء الطائفتين في أن كل واحدةٍ منهما منفيٌ عنها الحرج. ومثال هذا: أن يستفتيك مسافرٌ عن الإفطار في رمضان، وحاجٌ مفردٌ عن تقديم الحلق على النحر، فقلت: ليس على المسافر حرجٌ أن يفطر، ولا عليك يا حاج، أن تقدم على النحر. فإن قلت: هلا ذكر الأولاد! قلت: دخل ذكرهم تحت قوله: {مِنْ بُيُوتِكُمْ}، لأن ولد الرجل بعضه، وحكمه حكم نفسه. وفي الحديث: "إن أطيب ما يأكل المرء من كسبه وإن ولده من كسبه". ومعنى {مِنْ بُيُوتِكُمْ}: من البيوت التي فيها أزواجكم وعيالكم، ولأن الولد أقرب ممن عدد من القرابات، فإذا كان سبب الرخصة هو القرابة: كان الذي هو أقرب منهم أولى.

فإن قلت: ما معنى {أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ}؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (وهذا كلامٌ صحيح، وكذلك إذا فسر بأن هؤلاء ليس عليهم حرجٌ في القعود عن الغزو)، أي: يصح العطف لاشتراكهما في نفي الحرج. وذلك أن من شرط العطف أن يشتركا في اتحاد تصور من تصوراتهما، يعني: في عطف قوله تعالى: {وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَاكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} على {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} بعدُ، لكون رفع الحرج عن الأعمى سببه غير السبب الذي يأكل من تلك البيوت، لكن إذا نظر إلى أن الجملتين يجمعهما معنى نفي الحرج يصح العطف، روى محيي السنة عن الحسن أنه قال: نزلت رخصةً لهؤلاء في التخلف عن الجهاد. وقال: تم الكلام عند قوله تعالى: {وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ}، وقوله: {وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} كلامٌ منقطعٌ عما قبله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015