يريد: فإن تتولوا فما ضررتموه، وإنما ضررتم أنفسكم، فإن الرسول ليس عليه إلا ما حمله الله وكلفه من أداء الرسالة، فإذا أدى فقد خرج فقد خرج عن عهدة تكليفه، وأما أنتم فعليكم ما كلفتم من التلقي بالقبول والإذعان، فإن لم تفعلوا وتوليتم فقد عرضتم نفوسكم لسخط الله وعذابه، وإن أطعتموه فقد أحرزتم نصيبكم من الخروج عن الضلالة إلى الهدى، فالنفع والضرر عائدان إليكم، وما الرسول إلا ناصحٌ وهاد، وما عليه إلا أن يبلغ ما له نفعٌ في قبولكم، ولا عليه ضررٌ في توليكم. والبلاغ: بمعنى التبليغ، كالأداء: بمعنى التأدية. ومعنى {الْمُبِينُ}: كونه مقروناً بالآيات والمعجزات.

[{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فما يضرونك شيئاً، وإنما يضرون أنفسهم، على الماضي والغيبة في {تَوَلَّوْا} فصرف الكلام إلى المضارع، والخطاب في تتولوا بحذف إحدى التاءين، بمعنى فما ضررتموه، وإنما ضررتم أنفسكم لتكون المواجهة بالخطاب أبلغ في تبكيتهم، ولما لم يكن هذا التفاتاً محضاً، لأن الالتفات هو: الانتقال من إحدى الصيغ الثلاث إلى الأخرى، بل هو عدولٌ من صيغةٍ إلى صيغة، قال أولاً: "صرف الكلام" وثانياً: "على طريقة الالتفات"، ونحو هذا المعنى مر في البقرة عند قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ} [البقرة: 214]، وفي كلام الواحدي ما يؤيد هذا التقرير، والله تعالى أعلم.

قوله: (من الخروج عن الضلالة): بيانٌ لـ "نصيبكم"، ولولا البيان لكان "نصيبكم" استعارةً على الخروج من الضلالة إلى الهدى، وقوله: "أحرزتم" حينئذٍ كالترشيح لهذا التشبيه، شبه هذا المعنى بالنصب الوافي من أنصباء القداح، وهو المعلى، كأنه قيل: أحرزتم القدح المعلى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015