عطش يوم القيامة، فيحسبه ماءً، فيأتيه فلا يجد ما رجاه، ويجد زبانية الله عنده يأخذونه فيعتلونه إلى جهنهم فيسقونه الحميم والغساق، وهم الذين قال الله فيهم: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} [الغاشية: 3]، و {يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104]، {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23]. وقيل: نزلت في عتبة بن ربيعة بن أمية، قد كان تعبد ولبس المسوح والتمس الدين في الجاهلية، ثم كفر في الإسلام.
[{أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} 40]
اللجي: العميق الكثير الماء، منسوبٌ إلى اللج، وهو معظم ماء البحر. وفي {أَخْرَجَ} ضمير الواقع فيه. {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} مبالغةٌ في: لم يرها، أي: لم يقرب أن يراها فضلاً عن أن يراها. ومثله قول ذي الرمة:
إذا غير النأي المحبين لم يكد ... رسيس الهوى من حب مية يبرح
أي: لم يقرب من البراح، فما باله يبرح! شبه أعمالهم أولاً في فوات نفعها وحضور
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى: {فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات: 14]، قال: هي الأرض البيضاء المستوية، سيمت بذلك لأن السراب يجري فيها، من قولهم: عينٌ ساهرةٌ: جارية الماء، وفي ضدها: نائمة.
قوله: (فيعتلونه)، الأساس: عتله: إذا أخذ بتلبيبه فجره إلى حبس أو نحوه {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الدخان: 47].
قوله: (وهم الذين قال الله فيهم)، يعني: من لا يعتقد الإيمان ولا يتبع الحق، ويعمل الأعمال الصالحة، وفسرت الآية في موضعها بأن قيل: عملت ونصبت في أعمالٍ لا يجدي عليها في الآخرة.
قوله: (إذا غير النأي المحبين) البيت، الرسيس: الشيء الثابت الذي لزم من بقية