. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ابن عباس والأكثرين. وقال أيضاً: القول بأن المراد بالنور: الهدى هو المختار، لأنه مطابقٌ لما قبله، وهو قوله: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ}. وأقول- والعلم عند الله-: إن هذه الآية مما خاض فيها العارفون والنحارير من العلماء، وبلغت أقوالهم مبلغاً عظيماً، وكلٌ تكلم على مقدار بضاعته، وجاء بما في وسعه وطاقته {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة: 60].

هذا، وإن من جبلة من أفنى عمره في تحصيل صناعةٍ أن تتحرك أريحيته إذا ما لاحت له من تلك الصناعة لمعهٌ، ومما تصديت له، وأفنيت فيه صالح عمري معرفة الفصاحتين، ومراعاة الموافقة بين الطلبتين، أعني المقام والكلام، وكثيراً ما كانت تصدم القريحة معاني هذه الآية إذا حاولت لاقتداح زندها، وانتشاق زبدها مع ما يندبني إليه أخص إخواني في الدين وأخلص أخداني في طلب اليقين، ولما اعتقدت أن التجاسر على كلام الله المجيد، والتجاسر له والتشمير للخوض فيه، مع قلة البضاعة، من أعظم ما يلزم المرء من الغرامة، كنت أقدم رجلاً وأوخر أخرى إلى أن وافق لتحريك القلم شدة الغرام، فاضطرت إلى إبراز هذه الصبابة من تلك الضبابة، فإن صادفها الحق فهو المرام، وإلا فإني أستغفر الله على ما بدا مني أولاً وآخراً.

أقول: الواجب على مقتني صناعة البلاغة تعيين المقام، وتحرير الكلام، لتنقيح المرام. وتحرير ما نحن فيه: أن نبين أولاً أن النور ما هو؟ وما يقتضيه المقام من التأويل، فإذا تعين ذلك ينظر بعد ذلك في حقيقة هذا التشبيه، فإنه من أي قبيلٍ هو؟ أمن المركب العقلي أو الوهمي، أو الحسي، أم من المفرق الحسي أو العقلي، وعلى تقدير كونه مفرقاً فالمشبهات المقدرة ما هي؟ وما التي يجب تصحيحها حتى تقابل بالمذكورات؟ وتنصيصها من أعظم الشؤون، والتقصي من ذلك لا يستتب إلا بعون الله تعالى وتوفيقه، وإلا بلطفه وتسديده. فالكلام مرتبٌ على مطلبين:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015