للبغاء لا يسمى مكرهاً، ولا أمره إكراهاً. وكلمة {إِنَّ} وإيثارها على "إذا" إيذانٌ بأن المساعيات كن يفعلن ذلك برغبةٍ وطواعية منهن، وأن ما وجد من معاذة ومسيكة من حيز الشاذ النادر.

{غَفُورٌ رَحِيمٌ} لهم، أو: لهن، أو: لهم ولهن، إن تابوا وأصلحوا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقال الإمام: ومن الناس من ذكر فيه جواباً آخر وهو: أن في الغالب أن الإكراه لا يحصل إلا عند إرادة التحصن والكلام الوارد على سبيل الغالب لا يكون له مفهوم الخطاب، كما أن الخلع يجوز في غير حالة الشقاق، ولما كان الغالب في حال الشقاق قال: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] وكذا قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 101]، والقصر لا يختص بحال الخوف، لكن أجراه على سبيل الغالب.

قوله: (لهم، أو لهن، أو: لهم ولهن)، يريد أن {غَفُورٌ رَحِيمٌ} مطلقٌ، والقرينة الدالة على التقييد {وَلَاتُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ}، فيجوز أن يقيد بالمكرهين إذا تابوا وبالمكرهات، أو بكليهما جميعاً، وقلت: يجوز أن يتركا على إطلاقهما فيدخلوا فيه دخولًا أولياً، قال القاضي: الثاني أوفق للظاهر ولما في مصحف ابن مسعودٍ: من بعد إكراههن لهن غفورٌ رحيمٌ، ولا يرد عليه أن المكرهة غير آثمةٍ فلا حاجة إلى المغفرة، لأن الإكراه لا ينافي المؤاخذة بالذات، ولذلك حرم على المكره القتل ووجب عليه القصاص.

وقلت: فعلى هذا: في قوله: فإن الله من بعد إكراههن لهن" وعيدٌ شديد، وتهديدٌ عظيمٌ للمكره، وذلك الغفران والرحمة تعريضٌ، ويؤيد إيراد الجزاء على سنن الإخبار، والإطناب بذكر {مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ} يعني انتبهوا أيها المكرهون، أنهن مع كونهن مكرهاتٍ بنحو القتل وإتلاف العضو، يؤاخذن على ما أكرهن لولا أن الله غفورٌ رحيمٌ فيتجاوز عنهن، فكيف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015