وفي قراءة ابن عباس: (لهن غفورٌ رحيم).
فإن قلت: لا حاجة إلى تعليق المغفرة بهن، لأن المكرهة على الزنى بخلاف المكره عليه في أنها غير آثمة. قلت: لعل الإكراه كان دون ما اعتبرته الشريعة- من إكراهٍ بقتل، أو بما يخاف منه التلف أو ذهاب العضو، من ضربٍ عنيفٍ أو غيره- حتى تسلم من الإثم، وربما قصرت عن الحد الذي تعذر فيه فتكون آثمة.
[{وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} 34].
(مبينات): هي الآيات التي بينت في هذه السورة وأوضحت في معاني الكلام والحدود. ويجوز أن يكون الأصل مبيناً فيها فاتسع في الظرف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بمن يكرههن؟ مثله قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 172].
قوله: (وفي قراءة ابن عباس: "لهن غفورٌ رحيم")، قال ابن جني: وقرأها سعيد بن جبير، وقال: "لَهُنَّ": متعلق بـ "غفور"، لأنه أدنى إليها، ولأن "فعولاً" أقعد في التعدي من فعيل. ويجوز أن يتعلق بـ "رحيم"، لأجل حرف الجر إذا قدر خبراً بعد خبر، ولم يقدر صفةً لـ "غفور"، لامتناع تقدم الصفة على موصوفها، والمعمول إنما يصح وقوعه حيث يقع عامله، وليس الخبر كذلك، وأيضاً، يحسن في الخبر، لأن رتبة الرحمة أعلى من رتبة المغفرة، ولأن المغفرة مسببةٌ عنها، فكأنها مقدمةٌ معنى وإن تأخرت لفظاً. هذا تخليص كلام ابن جني.
قوله: (فاتسع في الظرف)، أي: أجري مجرى المفعول به، كقوله: ويومٍ شهدناه، أي: آياتٍ مبينات فيها الأحكام والحدود.