ونحوه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2 - 3]، وقد جاءت الشريطة منصوصةً في قوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصنف، لكن الآية ليست بمطلقة، بل هي مقيدةٌ بقوله: {عَلِيمُ} كما قال: "ولكنه عليمٌ يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر".
قال صاحب "الانتصاف": شرط المصلحة على قاعدته، فحجر واسعاً من رحمة الله تعالى، واحتجاجه عليه لا له، فإن الآية شرط فيها المشيئة لا المصلحة.
وهاهنا نكتةٌ، وذلك أنا رأينا من يتزوج فلا يحصل له الغنى، ووعد الله تعالى صدقٌ فلابد من شرطٍ مضمر، فهم يضمرون المصلحة، ونحن نضمر المشيئة، فمن لم يغنه الله تعالى بعد تزوجه فهو ممن لم يشأ غناه. فإن قيل: فكذلك العزب، فإن غناهم معلقٌ بالمشيئة، وليس هذا كإضمار المشيئة في الغفران للعاصي، فإن الغفران شريطة التوحيد، وله ارتباطٌ بالمشيئة، فإذا تاب غير الموحد لا يغفر له حتماً، والموحد مقيدٌ بالمشيئة، وهاهنا لا يقال: غير الناكح لا يغنيه الله.
فجوابه: أنه قد تكرر في الطباع المساكنة إلى الأسباب أن العيال سببٌ في الفقر، وعدمه سبب توفر المال، فأريد قطع هذا التوهم المتمكن بأن الله تعالى قد ينمي المال مع كثرة العيال التي هي في الوهم سببٌ لقلة المال، وقد يحصل الإقلال مع العزوبة، والواقع يشهد له، فدل على أن ذلك الارتباط الوهمي باطلٌ، وأن الغنى والفقر بفعل الله مسبب الأسباب، ولا يقف إلا على المشيئة، فإذا علم الناكح أن النكاح لا يؤثر في الإقتار لم يمنعه من الشروع فيه، ومعنى الآية حينئذٍ: أن النكاح لا يمنعهم الغنى من فضل الله، فعبر عن النفي كونه مانعاً من الغنى بوجوده معه. ومنه: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا} [الجمعة: 10] ظاهره أمرٌ بالانتشار عند انقضاء الصلاة، فالمراد تحقيق زوال المانع، وأن الصلاة إذا قضيت فلا مانع من الانتشار، فعبر عن نفي الانتشار بما يقتضي تقاضي الانتشار مبالغة.