وربما كان واجب الترك إذا أدى إلى معصية أو مفسدة. وعن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أتى على أمتي مئةٌ وثمانون سنةً فقد حلت لهم العزبة والعزلة والترهب على رؤوس الجبال"، وفي الحديث: "يأتي على الناس زمانٌ لا تنال المعيشة فيه إلا بالمعصية، فإذا كان ذلك الزمان حلت العزوبة". فإن قلت: لم حص الصالحين؟ قلت: ليحصن دينهم ويحفظ عليهم صلاحهم، ولأن الصالحين من الأرقاء لهم الذين مواليهم يشفقون عليهم وينزلونهم منزلة الأود في الأثرة والمودة، فكانوا مظنةً للتوصية بشأنهم والاهتمام بهم وتقبل الوصية فيهم، وأما المفسدون منهم فحالهم عند مواليهم على عكس ذلك. أو أريد بالصلاح: القيام بحقوق النكاح. ينبغي أن تكون شريطة الله غير منسيةٍ في هذا الموعد ونظائره، وهي مشيئته، ولا يشاء الحكيم إلا ما اقتضته الحكمة وما كان مصلحة،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (في الأثرة)، الأساس هو أثيري: الذي أوثره وأقدمه، وله عندي أثرة.
قوله: (شريطة الله)، الأساس: شرط عليه كذا واشترط، وهذا شريطتي، وقد تشرط فلانٌ في عمله تنوق وتكلف شروطاً ما هي عليه.
قوله: (ينبغي أن تكون شريطة الله غير منسيةٍ في هذا الموعد)، يعني: في قوله: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}، وفي نظائره نحو قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 3 - 4]، والآيتان وإن كانتا مطلقتين في الظاهر لكنهما مقيدتان بالشريطة، أي: بمشيئة الله تعالى عز وجل، فلذلك قد يتخلف الغنى عن التقوى، وعن النكاح في بعض الصور. والحاصل أن الآيتين وإن كانتا مطلقتين في الوعد، لكنهما محمولتان على المقيد، وهو: إما دليل العقل فكما ذكره: "ولا يشاء الحكيم إلا ما اقتضته الحكمة، وما كان مصلحةً"، وإما دليل النص فكقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ} [التوبة: 28]، ومن نسى الشريطة، أي: القيد إذا سمع ظاهر الآيتين انتصب معترضاً إذا كان فقيراً وما استغنى، يقول: ما بالي اتقيت، أو تزوجت فما استغنيت، وإذا كان غنياً وافتقر يقول: ما بالي افتقرت؟ هذا تقرير كلام