مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 28]، ومن لم ينس هذه الشريطة لم ينتصب معترضاً بعزبٍ كان غنياً فأفقره النكاح، وبفاسقٍ تاب واتقى الله وكان له شيءٌ ففني وأصبح مسكيناً.
وعن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "التمسوا الرزق بالنكاح". وشكا إليه رجلٌ الحاجة، فقال "عليك بالباءة"، وعن عمر رضي الله عنه: عجبٌ لمن لا يطلب الغنى بالباءة!
ولقد كان عندنا رجلٌ رازح الحال، ثم رأيته بعد سنين وقد انتعشت حاله وحسنت، فسألته، فقال: كنت في أول أمري على ما علمت، وذلك قبل أن أرزق ولداً، فلما رزقت بكر ولدي تراخيت عن الفقر، فلما ولد لي الثاني زدت خيراً، فلما تتاموا ثلاثة صب الله على الخير صباً، فأصبحت إلى ما ترى. {وَاللَّهُ وَاسِعٌ} أي: غنىٌ ذو سعة لا يرزؤه إغناء الخلائق، ولكنه {عَلِيمٌ} يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (رازح الحال)، الأساس: بعيرٌ رازحٌ: ألقى نفسه من الإعياء. وقيل: هو الشديد الهزال وبه حراكٌ، ومن المجاز: رزحت حاله، وله حالٌ رازحة.
قوله: (بكر ولدي)، أي: أوله، ما هذا الأمر منك ببكرٍ ولا بثني، أي: لا بأولٍ ولا ثان. وحاجةٌ بكرٌ هو أول حاجةٍ رفعت. "تتاموا ثلاثةً" مبالغةٌ في التمام، رجلٌ تميمٌ، وامرأةٌ تامة الخلق: وثيقاه، واجتمعوا فتتاموا عشرةً، وجعلته لك تماً، أي: بتمامه، كل ذلك من "الأساس".
قوله: (لا يرزؤه إغناء الخلائق)، الأساس: ما رزأته شيئاً مرزئةً ورزأً: ما نقصته، وفعل كذا من غير مرزئة، أي: غير نقصانٍ وضرر.
قوله: (ولكنه {عَليِمُ} يبسط الرزق لمن يشاء)، هذا الاستدراك يؤذن بأن قوله: {عَليِمُ} تكميل لقوله: {وَاسِعُ}، كقوله:
حليمٌ إذا ما الحلم زين أهله ... مع الحلم في عين العدو مهيب