جعل الله التفصلة بين الرمي الصادق والكاذب ثبوت شهادة الشهود الأربعة وانتفاءها، والذين رموا عائشة لم تكن لهم بينةٌ على قولهم، فقامت عليهم الحجة، وكانوا {عِنْدَ اللَّهِ} - أي: في حكمه وشريعته- كاذبين. وهذا توبيخٌ وتعنيف للذين سمعوا الإفك فلم يجدوا في دفعه وإنكاره، واحتجاجٌ عليهم بما هو ظاهرٌ مكشوف في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أي: في حكمه وشريعته كاذبين)، قال: "في حكمه وشريعته"، دون "علمه"، ليؤذن بأنه تعالى إذا أحاط بوقوع الزنى علمًا، ولم يأت القاذف بالشهداء يحكم بمقتضى الشهود، دون العلم، ولهذا قال صلوات الله وسلامه عليه في حديث شريك بن سحماء بعد ما رأى الولد مشابهًا للزاني: "لولا كتاب الله عز وجل لكان لي ولها شأن".
فإن قلت: إنما اختلف الناس في أن الخبر الكاذب هل هو: ما لا يطابق الواقع، أو هو: ما لا يطابق اعتقاد المخبر، وهو أمرٌ ثالث؟ قلت: مطابقة الواقع على هذا إما مطابقة نفس الأمر، أو مطابقة حكم الشارع، لأن الشارع يقطع الحكم على الظاهر كما ورد: نحن نحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر.
قوله: (وهذا توبيخٌ وتعنيفٌ للذين سمعوا الإفك)، "لولا" هاهنا فيها معنى التعنيف، لكون مدخولها ماضيًا، أي: لم ما وجد إتيان الشهداء، وهلا جاءت العصبة الكاذبة على قذفهم بالشهداء؟ يعني لم وقع التقصير منكم أيها السامعون في طلب البينة في الحال، وحين لم يقيموها: لم ما أسرعتم في تكذيبهم وتنكيلهم في الحال، وتركتم الشنعاء حتى فشت؟
وقوله: (وهذا توبيخٌ وتعنيفٌ للذين سمعوا الإفك فلم يجدوا في دفعه)، وذلك أن معنى {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ}: لم توقفتم في الرد على الرامين وتكذيبهم، فهلا جاءوكم حين قذفوا بالبينة وحققوا قولهم بإقامة الشهداء الذين يثبت بهم أمثال هذه الدعاوى؟ فإذ