الشرع، من وجوب تكذيب القاذف بغير بينة، والتنكيل به إذا قذف امرأة محصنة من عرض نساء المسلمين، فكيف بأم المؤمنين الصديقة بنت الصديق حرمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحبيبة حبيب الله؟ !
[{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} 14 - 15].
{لَوْلاَ} الأولى للتحضيض، وهذه لامتناع الشيء لوجود غيره. والمعنى: ولولا أني قضيت أن أتفضل عليكم في الدنيا بضروب النعم التي من جملتها الإمهال للتوبة، وأن أترحم عليكم في الآخرة بالعفو والمغفرة، لعاجلتكم بالعقاب على ما خضتم فيه من حديث الإفك. يقال: أفاض في الحديث، واندفع، وهضب، وخاض. {إِذْ} ظرفٌ لـ "مسكم"، أو لـ {أَفَضْتُمْ}. {تَلَقَّوْنَهُ}: يأخذه بعضكم من بعض. يقال: تلقى القول وتلقنه وتلقفه، ومنه قوله تعالى: {فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} [البقرة: 37].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم يأتوا بهم، قامت عليهم الحجة، فلم توقفتم في تكذيبهم وأبطأتم في القول بأن هذا إفكٌ مبين؟ وكذلك معنى قوله: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ}، لأن في تقديم الظرف على عامله توبيخًا على التواني في الرد، يعني: كان الواجب عليكم عند سماعكم بالإفك ثم حينئذٍ أن لا تتوقفوا عن ظن الخير، وعن تكذيب الرامين، والقول بأن هذا إفكٌ مبين، فلم توانيتم فيه؟
قوله: (من عرض نساء المؤمنين)، يقال: فلانٌ من عرض العشيرة، أي: شقها، لا من صميمها، وأصل العرض: الجانب. الأساس: واستعرض الخوارج الناس: إذا خرجوا لا يبالون من قتلوا.
قوله: ({لَوْلَا} الأولى للتحضيض)، يعني في قوله: {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ}، و {لَوْلَا جَاءُوا}، وإنما جعلهما واحدًا وهما شيئان، لأن مفهومها واحدٌ، ولأن الآية الثاني المصدرة بـ "لولا" كالتقرير للأولى، يدل عليه قوله في جواب "هلا قيل: لولا إذ سمعتموه": "ليبالغ في التوبيخ".