ولم عدل عن الخطاب إلى الغيبة، وعن الضمير إلى الظاهر؟ قلت: ليبلغ في التوبيخ بطريقة الالتفات، وليصرح بلفظ الإيمان، دلالةً على أن الاشتراك فيه مقتضٍ أن لا يصدق مؤمنٌ على أخيه ولا مؤمنةٌ على أختها قول غائبٍ ولا طاعن. وفيه تنبيهٌ على أن حق المؤمن إذا سمع قالةً في أخيه، أن يبني الأمر فيها على الظن لا على الشك، وأن يقول بملء فيه بناءً على ظنه بالمؤمن الخير: {هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ}، هكذا بلفظ المصرح ببراءة ساحته، كما يقول المستيقن المطلع على حقيقة الحال. وهذا من الأدب الحسن الذي قل القائم به والحافظ له، وليتك تجد من يسمع فيسكت ولا يشيع ما سمعه بأخوات!

[{لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَاتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} 13]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

روينا عن البخاري ومسلم، عن أبي هريرة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: "كونوا إخواناً كما أمركم، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره". وعن البخاري وأحمد ابن حنبل، عن أبي موسى، قال: "المؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضًا". ولهذا فسر قوله: {بِأَنْفُسِهِمْ}: بالمؤمنين والمؤمنات، وفي العدول من المفرد إلى الجماعة وسلوك طريق الكناية الإشعار بتعظيم شأنها، ورفعة منزلتها.

وفيه أيضاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو المؤمنين، وأزواجه أمهاتهم، واستعظامه يرجع إلى استعظامهم، والقالة فيه كالقالة في أنفسهم، ثم في انضمام لفظ الظن معه إدماجٌ وتنبيهٌ على أنه إذا سمع المؤمن في أخيه المؤمن ما يشينه يتبادر إلى بناء الأمر على الظن الراجح بأن الأصل براءة ساحة المؤمن عن كل شنارٍ وعيب، ولا يبني على الشك فيه. هذا ما يختص بالباطن. وأما بالظاهر، فيصرح بالقول الدال على الشهادة له بالخير، وتنزيهه عن كل سوء، ولا يتلعثم في الكلام، ويقول بملء فيه: هذا إفكٌ مبين، ومن ثم قال: "هذا من الأدب الحسن".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015