رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر، وعائشة، وصفوان بن المعطل. ومعنى كونه خيراً لهم: أنهم اكتسبوا فيه الثواب العظيم، لأنه كان بلاءً مبيناً ومحنةً ظاهرة، وأنه نزلت فيه ثماني عشرة أيةً كل واحدة منها مستقلة بما هو تعظيمٌ لشأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتسليةٌ له، وتنزيهٌ لأم المؤمنين رضوان الله عليها، وتطهيرٌ لأهل البيت، وتهويلٌ لمن تكلم في ذلك، أو سمع به فلم تمجه أذناه، وعدة ألطافٍ للسامعين والتالين إلى يوم القيامة، وفوائد دينية، وأحكامٌ وآدابٌ لا تخفى على متأملها.
[{لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} 12].
{بِأَنْفُسِهِمْ} أي: بالذين منهم من المؤمنين والمؤمنات، كقوله: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} [الحجرات: 11]، وذلك نحو ما يروى: أن أبا أيوب الأنصاري قال لأم أيوب: ألا ترين ما يقال؟ فقالت: لو كنت بدل صفوان أكنت تظن بحرمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سوءًا؟ قال: لا. قالت: ولو كنت أنا بدل عائشة ما خنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فعائشة خيرٌ مني، وصفوان خيرٌ منك. فإن قلت: هلا قيل: لولا إذ سمعتموه ظننتم بأنفسكم خيراً وقلتم؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أي: بالذين منهم)، "من" في {مِنْهُمْ}: اتصاليةٌ، كقوله تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ} [التوبة: 67].
قوله: (هلا قيل: لولا إذ سمعتموه ظننتم بأنفسكم خيرًا وقلتم؟ ) يعني: أصل الكلام هذا، لأن المخاطبين من بحضرة الرسول صلوات الله وسلامه عليه. وقلت: الأصل أيضًا: وظننتم بها، أي: بأم المؤمنين رضي الله عنها خيرًا، فلم عدل عن الخطاب إلى الغيبة، وعن المضمر إلى المظهر، ومن المفرد إلى الجماعة؟ وخلاصة الجواب: أن في العدول من الخطاب إلى الغيبة توبيخ المخاطبين ومعاتبةً شديدةً وإبعادًا من مقام الزلفى، أي: كيف سمعوا ما لا ينبغي الإصغاء إليه، فضلًا عن أن يتفوهوا به؟ وفي العدول من المضمر إلى المظهر: الدلالة على أن صفة الإيمان جامعةٌ لهم، فينبغي لمن اشترك فيها أن لا يسمع فيمن شاركه فيها قول عائب، ولا طعن طاعن، لأن عيب أخيه عيبه، والطعن فيه طعنٌ فيه.