ظهرانيهم، وأنه لم يعرض له حتى يدعى بمثل هذه الدعوى العظيمة بباطل، ولم يجعل ذلك سلما إلى النيل من دنياهم واستعطاء أموالهم، ولم يدعهم إلا إلى دين الإسلام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ)، أي: لم يعرفوا محمداً صلى الله عليه وسلم وصحة نسبه وحلوله في سطة هاشم، يوافقه قول هرقل لترجمانه: قل له: إني سألتك عن نسبه فيمك، فذكرت أنه فيكم ذو نسب، وكذلك الرسل تُبعث في نسب قومها.
وثانيها: أن يكون صاحب شهامة ورجاحة عقل، بريئاً من الجنون وما ينافي الحق والصدق، وهو الزورُ، والكذب، فدل عليه بقوله: (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ)، وقال هرقل: سألتك: هل تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرت أن لا، فقلتُ: أعرفُ أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس فيكذب على الله عز وجل.
وثالثها: أن لا يسأل فيما يرومه عاجلاً للأمر، فدل عليه بقوله تعالى: (أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ)، وقال هرقل: سألتك: هل كان من آبائه من ملك؟ فذكرت أن لا، فقلتُ: لو كان من آبائه من ملكٍ قلتُ: رجلٌ يطلبُ ملك أبيه.
ورابعها: أن يكون ما يدعو إليه في نفسه حقاً هادياً إلى الطريق المستقيم، فدل عليه بقوله: (وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، وقال هرقل: سألتك: بما يأمركم؟ فذكرت أنه يأمركم بأن تعبدوا الله تعالى، ولا تشركوا به شيئا، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف. ثم قال هرقل بعد ذلك: فإن كان ما تقول حقاً فسيملكُ موضع قدمي هاتين. وقد كنت أعلم أنه خارجٌ، لم أكن أظن أنه منكم، فلو أنني أعلمُ أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه. ألا ترى كيف أذعن للحق بما سمع من الأمارات؟
قوله: (وأنه لم يُعرض له)، تقول العربُ: عرض لفلان: إذا جُن، بمعنى عرضت له الجن. النهاية: في حديث خديجة رضي الله عنها: "أخاف أن يكون عُرض له"، أي: عرض له الجن، أو أصابه منهم.
قوله: (ولم يدعهم إلا إلى دين الإسلام)، عطفٌ على قوله: "وأنه لم يُعرض له"، المراد منه قوله تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ)، وقوله: "ولم يجعل ذلك سُلماً"، المقصود