(وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (73) وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (74))
قد ألزمهم الحجة في هذه الآيات وقطع معاذيرهم وعللهم بأن الذي أرسل إليهم رجل معروف أمره وحاله، مخبور سرّه وعلنه، خليق بأن يجتبى مثله للرسالة من بين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المفهوم من قوله أن الخرج يدل على القليل من إعطاء الخلق، وأن الخراج على الكثير من إعطاء الخالق، فكيف يكون الخرج أخص من الخراج؟ والمعنى: أينون أنك طامعٌ في أموالهم فيما تدعوهم إليه، فخراج ربك، أي: ما يعطيك ربك على طاعتك له في الدعاء إليه، خيرٌ لك من عرض الدنيا.
وقلتُ: مرادُ المصنف من لفظ"أخص": الأقل تناولاً مطلقاً، لا الخاص الذي يقابل العام؛ لقوله: "زيادة اللف لزيادة المعنى". قال القاضي: الخرجُ: بإزاء الدخل، يقال لكل ما تخرجه إلى غيرك، والخراجُ غالبٌ في الضريبة على الأرض، ففيه إشعارٌ بالكثرة واللزوم، فيكون أبلغ، ولذلك عبر به عن إعطاء الله تعالى إياه، كأنه قال: أم تسألهم أجراً على أداء الرسالة (فَخَرَاجُ رَبِّكَ)، أي: رزقه في الدنيا، أو ثوابه في الآخرة (خَيْرٌ) لسعته ودوامه.
قوله: (قد ألزمهم الحجة في هذه الآيات، وقطع معاذيرهم وعللهم بأن الذي أرسل إليهم رجلٌ معروفٌ أمره)، إلى آخره، اعلم أن هذه الآيات مطابقةٌ للحديث المشهور المخرج في "الصحيحين" للإمام محمد بن إسماعيل ومسلم بن الحجاج رحمهما الله، عن أبي سفيان قبل إسلامه حين أرسل إليه هرقل وسأله عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنهما اشتملا على أمهات المسائل المعتبرة في أمر النبوة:
أولها: الواجب أن يكون الرسول ذا نسب، فدل عليه بقوله تعالى: (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ