ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من قوله: (أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً)، وترك ما يدل على قوله: (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ)، والحاصل أنه تعالى أورد هذه الحجج على منوالٍ أبرز معها الداء المكنون في ضمائرهم، أي: أن تلك الدعوة كانت على اللين والرفق، وإرخاء العنان مع الخصم، وعدم المواجهة، يدل عليه قوله تعالى: (وَلَوْ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ) حيث جيء بـ"لوْ" على الفرض في موضع القطع على منوال (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) [محمد: 22] ليبعثهم على الفكر في حال أنفسهم وما هم عليه من ركوب باطلهم وأهوائهم، وتلك الأهواء والأدواء على وجوه.

أولها: التقليد وعدم التدبر والفكرة، فدل عليه بقوله تعالى: (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَاتِ آبَاءَهُمْ الأَوَّلِينَ)، وإليه الإشارة بقوله: "وهو إخلالهم بالتدبر واستهتارهم بدين الآباء الضُّلال".

وثانيها: تعللهم بأنه مجنونٌ بعد ظهور الحق، وإليه يشير بقوله: (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ).

وثالثها: كراهتهم للحق، هو المراد من قوله تعالى: (وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ). قال القاضي رحمة الله تعالى عليه: لأنه يخالف شهواتهم وأهواءهم، فلذلك أنكروه.

ورابعها: إعراضهم عما فيه حظهم، وهو المعني بقوله: (بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ).

واعلم أنه ظهر من هذا البيان أن قوله: (وَلَوْ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ) جملةٌ معترضةٌ بين المعطوف والمعطوف عليه، وهو (أَمْ تَسْأَلُهُمْ) و (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ)، وأن الوجه الثاني في تفسير الحق، وهو أن يُراد به الحق الذي جاء به محمدٌ صلى الله عليه وسلم وهو الإسلام، هو الوجهُ. والوجه الثالث، وهو أن يُراد به الله منها بعيدٌ ناب عن اقتضاء المقام، وأن قوله: "لما كان إلها ولكان شيطاناً" هفوةٌ فاحشةٌ، وإلحادٌ في أسمائه عز وجل والعياذ بالله تعالى منها. وأما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015