[(أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَاتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (70)) [

(الْقَوْلَ) القرآن، يقول: أفلم يتدبروه ليعلموا أنه الحق المبين فيصدّقوا به وبمن جاء به، بل أجاءَهُمْ (ما لَمْ يَاتِ آباءَهُمُ) فلذلك أنكروه واستبدعوه، كقوله: (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ)] يس: 6 [أو ليخافوا .......

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (بل أجاءهم)، يعني: "أم" منقطعة، والهمزة فيه: للتقرير.

قوله: (أو ليخافوا)، عطفٌ على قوله: "ليعلموا"، فالتقدير: أغفلوا فلم يتدبروا القرآن ليخافوا الإنذار فيه بل أجاءهم الأمن ما لم يأت آبائهم، يعني: أن آباءهم إنما خافوا وآمنوا به وبكتبه من جهة الوحي أو الإلهام الصادق، فأمنوا من العذاب، فحالُ هؤلاء بخلاف حال آبائهم الأقدمين. والمراد بالآباء حينئذ من ذكر أساميهم إلى آخره.

فإن قلت: من أين جاء الخلاف بين التفسيرين لقوله: (مَا لَمْ يَاتِ آبَاءَهُمْ الأَوَّلِينَ)؟ قلتُ: من حيث التعليلُ، فإنه لما علل التدبير بالعلم أضرب عنه بإثبات الجهل الموروث من الآباء الجهلة، ولما علله بالخوف أضرب عنه بإثبات المن الذي على خلاف المعهود من أهل الحق مثل آبائهم المهتدين؛ لأن الأمن من العذاب لا يحصل إلا للمهتدي، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام: 82]، وفيه ضربٌ من التهكم.

والوجه الأول أوفق لتأليف النظم؛ لأن قوله تعالى: (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ) إضرابٌ على سبيل الترقي، وكذلك قوله: (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ) فإنه لما أثبت لهم الجهل الموروث أضرب عن ذلك بإثبات الجهل المكتسب، وهو عدم جريهم بموجب العلم فإن الهمزة في أم للسؤال مُجرى للمعلوم مساق غيره تجهيلاً، أو للتوبيخ. قال محيي السنة رحمة الله تعالى عليه:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015