عند تدبر آياته وأقاصيصه مثل ما نزل بمن قبلهم من المكذبين، أم جاءهم من الأمن ما لم يأت آباءهم حين خافوا الله فآمنوا به وبكتبه ورسله وأطاعوه؟ وآباؤهم: إسماعيل وأعقابه من عدنان وقحطان. وعن النبي صلى الله عليه وسلم «لا تسبوا مضر ولا ربيعة فإنهما كانا مسلمين، ولا تسبوا قسا فإنه كان مسلما، ولا تسبوا الحارث بن كعب ولا أسد بن خزيمة ولا تميم ابن مرّ. فإنهم كانوا على الإسلام، وما شككتم فيه من شيء فلا تشكوا في أن تبعا كان مسلما» وروي في أنّ ضبة كان مسلما، وكان على شرطة سليمان بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ) واردٌ على سبيل التوبيخ على الإعراض. ثم أضرب عنه بقوله: (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ) أي: هاهنا ما هو أعظمُ من ذلك كله، وهو إثباتُ الجنون، مع العلم بأنه أرجحهم عقلاً وأثقبهم ذهناً.
فإن قلت: ما وجهُ ما رواه الواحدي عن ابن عباس قوله تعالى: (مَا لَمْ يَاتِ آبَاءَهُمْ الأَوَّلِينَ) أليس قد أرسلنا نوحاً وإبراهيم والنبيين إلى قومهم؟ فكذل بعثنا محمداً صلى الله عليه وسلم إلى قومه؟
قلتُ: على هذا يقدر مدخول الهمزة في قوله تعالى: (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا) ما دل عليه قوله: (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ)، على أن يكون الضمير للقرآن، أي: استكبروا، أفلم يتدبروا القرآن أم جاءهم ببدع، وبما لم يأت به أنبياؤهم الأقدمون؟ ثم قيل: بل ألم يعرفوا رسولهم فلذلك أنكروه وانكروا ما أُنزل إليه، كقوله تعالى: (لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف: 31]، والظاهر أن "أمْ" حينئذٍ متصلةٌ؛ لأن التقدير: استكبرا فلم يتدبروا، أم استبدعوا فلم يتفكروا، وقال في (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا) إضرابٌ عن الجملة، لا عن مدخولِ "أم" وحده، هذا هو التحقيق فليتدبر.
قوله: (وكان على شرطة سليمان)، قيل: هي: اسم جمع، وجمعها: شُرط. الجوهري: