وأنه لم يعن بالوصية العناية الصادقة، ولم يستوثق منها بعقد القلب عليها وضبط النفس، حتى تولد من ذلك النسيان. وأن يراد الترك وأنه ترك ما وصى به من الاحتراس عن الشجرة وأكل ثمرتها. وقرئ: (فنسي)، أى: نساه الشيطان. العزم: التصميم والمضىّ على ترك الأكل، وأن يتصلب في ذلك تصلبا يؤيس الشيطان من التسويل له.
والوجود: يجوز أن يكون بمعنى العلم، ومفعولاه (لَهُ عَزْماً) وأن يكون نقيض العدم كأنه قال:
وعدمنا له عزما.
(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى) [طه: 116].
(وإِذْ) منصوب بمضمر، أى: واذكر وقت ما جرى عليه من معاداة إبليس ووسوسته إليه وتزيينه له الأكل من الشجرة، وطاعته له بعد ما تقدّمت معه النصيحة والموعظة البليغة والتحذير من كيده، حتى يتبين لك أنه لم يكن من أولى العزم والثبات. فإن قلت: إبليس كان جنيا بدليل قوله تعالى (كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ)] الكهف: 50 [، فمن أين تناوله الأمر وهو للملائكة خاصة؟ قلت كان في صحبتهم، وكان يعبد الله تعالى عبادتهم، فلما أمروا بالسجود لآدم والتواضع له كرامة له، كان الجنى الذي معهم أجدر بأن بتواضع، كما لو قام لمقبل على المجلس علية أهله وسراتهم، كان القيام على واحد بينهم هو دونهم في المنزلة أوجب، حتى إن لم يقم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (لم يُعْنَ بالوصية)، أي: لم يعتد بها الاعتداد الصادق، الجوهري: عُنيت بحاجتك، أعني بها عنايةً، وأنا بها معنيٌّ، والأمرُ: لتُعْنَ بحاجتي بضم التاء وسكون العين.
قوله: (من الاحتراس)، الجوهري: تحرستُ من فلانٍ واحترستُ منه، أي تحفظتُ منه.
قوله: (علية أهلِه)، الجوهري: فلانٌ من علية الناس، وهو جمعُ رجلٍ علي، أي: شريفٍ رفيع، مثل صبي وصبية.
قوله: (وسراتهم)، الجوهري: وهو جمعُ السريِّن لا يُعرفُ جمعُ "فعيلٍ" على "فعلةٍ" غيره. الأساس: هو سريٌّ، من السراة ومن أهل السرو، وهو السخاء والمروءة.