أن لا يقرب الشجرة، وتوعدناه بالدخول في جملة الظالمين إن قربها، وذلك من قبل وجودهم ومن قبل أن نتوعدهم، فخالف إلى ما نهى عنه، وتوعد في ارتكابه مخالفتهم، ولم يلتفت إلى الوعيد كما لا يلتفتون، كأنه يقول: إنّ أساس أمر بنى آدم على ذلك، وعرقهم راسخ فيه. فإن قلت: ما المراد بالنسيان؟ قلت يجوز أن يراد النسيان الذي هو نقيض الذكر،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الْوَعِيدِ))، فإن قلت: أليس هذا مخالفاً لما ذهبت إليه في النظم، وقولك: وضرب حديث آدم مثلاً للنسيان وترك العزيمة، وأنه متصلٌ بقوله: (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ)؟ قلت: هيهات! ما أشد التئامه بما أسلفناه من أن تصريف الوعيد لأجل اتقاء العذاب، وأن قوله: (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ) متصلٌ بقوله: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا)، وذلك عليه الوعيد لعلهم يخافون العذاب ويجتنبون عنه، كذلك نهيناك عن التعجيل لتلقي التنزيل متأنياً متدبراً بجد وعزيمةٍ، فكأنا عهدنا إليك بذلك لئلا تقع فيما لا ينبغي، كما نهينا آدم عن أكل الشجرة لئلا يشقى (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)، فالضميرُ في قوله: قبل وجودهم لمن قيل في حقهم: (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً) من قوم محمدٍ صلوات الله عليه، فسبيل حديث العجلة سبيل الاستطراد، وسبيلُ حديث آدم سبيلُ التذييل، وإليه الإشارة بقوله: "إن أساس أمر بني آدم على ذلك".
قوله: (فخالف إلى ما نُهي عنهُ)، هو من قوله تعالى: (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ) [هود: 88]، قال المصنف: خالفني فلانٌ إلى كذا: إذا قصده وأنت مولٍّ عنه، وتقولُ: خالفني إلى الماء، يريد أنه قد ذهب إيه وارداً وأنت صادرٌ.
قوله: (مخالفتهم)، مفعولٌ مطلقٌ، لقوله: "فخالف"، "وتوعد": عطفٌ على "نُهيَ عنهُ". أي: خالف المنهي والمتوعد في قوله: وصيناه أن لا يقرب الشجرة، وتوعدناهُ بالدخول في جملة الظالمين مخالفةً مثل مخالفةِ هؤلاءِ في النهي والوعيد.