موسى جبريل راكب حيزوم فرس الحياة ليذهب به، فأبصره السامري فقال: إنّ لهذا شأنا، فقبض قبضة من تربة موطئه، فلما سأله موسى عن قصته قال: قبضت من أثر فرس المرسل إليك يوم حلول الميعاد، ولعله لم يعرف أنه جبريل.

(قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً) [طه: 97].

عوقب في الدنيا بعقوبة لا شيء أطم منها وأوحش، وذلك أنه منع من مخالطة الناس منعا كليا، وحرم عليهم ملاقاته ومكالمته ومبايعته ومواجهته وكل ما يعايش به الناس بعضهم بعضا، وإذا اتفق أن يماس أحدا رجلا أو امرأة، حم الماس والممسوس، فتحامى الناس وتحاموه، وكان يصيح: لا مساس، وعاد في الناس أوحش من القاتل اللاجئ إلى الحرم، ومن الوحشي النافر في البرية. ويقال: إن قومه باق فيهم ذلك إلى اليوم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وإنما عدل إلى الرسول عن اسمه ليُصور تلك الحالة البديعة، وهو كونه راكب حيزوم جاء لأمرٍ له شأنٌ غريب، وهو عرف الحال، يدل عليه قوله: (بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ)، على ما فسره الإمام: علمتُ أن تُراب فرسِ جبريلَ له خاصيةُ الإحياء، وفي كلام محيي السُّنة أنه إشعارٌ بأنه عرف أنه جبريل عليه السلام. وثانيهما: أنهُ لم يعرف إلا كونه رسولاً مبعوثاً لأمرٍ، فأتى بما عرفه.

قوله: (أوحش من القاتل اللاجيء إلى الحرم)، قال المصنف: عند أبي حنيفة رضي الله عنه: من لزمه القتلُ في الحل فالتجأ إلى الحرم لم يُتعرض له، إلا أنه لا يؤوى ولا يُطعمُ ولا يُسقى ولا يبايع حتى يضطر إلى الخروج.

قوله: (باقٍ فيهم ذلك إلى اليوم)، قيل: الصوابُ: النصبُ، روى سيبويه عن بعض العرب: اليومُ يومُ الجمعة، وعلى ذلك قوله:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015