أحدهما: إنكار العجلة في نفسها. والثاني: السؤال عن سبب المستنكر والحامل عليه، فكان أهمّ الأمرين إلى موسى بسط العذر وتمهيد العلة في نفس ما أنكر عليه، فاعتل بأنه لم يوجد منى إلا تقدّم يسير، مثله لا يعتدّ به في العادة ولا يحتفل به. وليس بيني وبين من سبقته إلا مسافة قريبة يتقدّم بمثلها الوفد رأسهم ومقدمهم، ثم عقبه بجواب السؤال عن السبب فقال (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) ولقائل أن يقول: حار لما ورد عليه من التهيب لعتاب الله، فأذهله ذلك عن الجواب المنطبق المرتب على حدود الكلام.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المكالمة وطلب الرؤية، على أنه يجوز أن يُراد بالقوم: جميعُ قومه الذين خلفهم مع هارون، ويفسرُ (هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي) بأنهم بالقرب مني ينتظرونني، كما أورده الإمام.

وقلتُ: ويؤيدُ هذا الوجه التعقيبُ بقوله تعالى: (فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا) بحرف الترتيب، أي: الفاء، قول موسى عليه السلام: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى)، كما عطف إبراهيمُ عليه السلام قوله: (مِنْ ذُرِّيَّتِي) [البقرة: 124] على الكاف في قوله تعالى: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً) [البقرة: 124]، ثم التصريح بقوله: (قَوْمُكَ) بعد قوله: (وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ) يدل على أنهم هم؛ لأن المُعرف إذا أعيد كان الثاني عين الأول، ولأن المفتونين ليسوا السبعين من المتخلفين، ويُحتمل التعجيلُ على أنه عليه السلام ما صبر لانقضاء الميقات المضروب عند القوم، بل حسب الميقات تمامه عند مجيئه إلى الميقات، بدليل اللام في قوله: (لِمِيقَاتِنَا)، أي: لوقت ميقاتنا، ولهذا كان من جواب الله: (فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ) يعني: إن فعلت ذاك فإنا قد فتناهم.

وقال صاحب "الانتصاف": والمرادُ بسؤال موسى تعليمُه أدب السفر، وهو أن يتأخر رئيس القوم ليحيط بصره بطائفته، كما علم لوطاً بقوله: (وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ) [الحجر: 65] وموسى إنما أغفل ذلك لعلة طلب الرضى بمسارعته إلى الميعاد الذي يود لو ركب أجنحة الطير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015