(قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ) [طه: 85].

أراد بالقوم المفتونين: الذين خلفهم مع هارون وكانوا ست مائة ألف ما نجا من عبادة العجل منهم إلا اثنا عشر ألفا. فإن قلت: في القصة أنهم أقاموا بعد مفارقته عشرين ليلة، وحسبوها أربعين مع أيامها، وقالوا: قد أكملنا العدة، ثم كان أمر العجل بعد ذلك، فكيف التوفيق بين هذا وبين قوله تعالى لموسى عند مقدمه (فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ)؟ قلت: قد أخبر الله تعالى عن الفتنة المترقبة، بلفظ الموجودة الكائنة على عادته. أو افترص السامري غيبته فعزم على إضلالهم غب انطلاقه، وأخذ في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (فكيف التوفيق بين هذا وبين قوله تعالى لموسى عند مقدمه: (فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ)؟ )، قال صاحب "الفرائد": لو كانت الفاءُ داخلةٌ على "قال" لزم أن يكون عند مقدمه؛ لأن المعنى حينئذ: قال عقيب قول موسى: إنا قد فتنا قومك، لكنها داخلة على ما بعد "قال"، فلا يلزم ذلك، وعلى تقدير التسليم المراد من قوله: (فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ) أردنا فتنتهم أو حكمنا بوقوع الفتنة، كقوله تعالى: (وَإِذَا قَرَاتَ الْقُرْآنَ) [الإسراء: 45]، وقوله تعالى: (فَجَاءَهَا بَاسُنَا) [الأعراف: 4]، أي: من بعد انطلاقك، و (مِن): للابتداء، فوجه التوفيق: لا نُسلمُ أن (مِن) للابتداء، بل بعدك ومن بعدك سواءٌ في الاستقبال، فيصح من بعدك ولو بعد عشرين ليلةً، والفاءُ وقد ليستا لتعقيب الفتنة، بل هما للإخبار بالفتنة لأنفسهما.

وقلتُ: مرادُ المصنف من السؤال انه تعالى كيف قال: (فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا) بلفظ الماضي، والمقتضي المستقبل، يدل عليه جوابه: قد أخبر الله عن الفتنة المرتقبة بلفظ الموجودة الكائنة، أي: الماضي. والمقتضي المستقبل، يدل عليه جوابه: قد أخبر الله عن الفتنة المرتقبة بلفظ الموجودة الكائنة، أي: الماضي. وإنما قال: (فَتَنَّا) لما أن مقدمات الفتنة كانت موجودةً، فجعلها لذلك أنها وُجدت، وإليه الإشارة بقوله: "فكان بدءُ الفتنة موجوداً".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015