ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي)؛ لأنه قال في معناهُ: ما هذا تقدمٌ يعتدُ به، فلم يكن هذا تعجلاً مني في العادة. والوجه أن يقال: إني خشيت أن مثل هذا التقدم غير معتدٍ به نظراً إلى العادة.
وقلتُ: الأحسنُ أن يقال: إن الجواب هو قوله: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى)، وقوله (هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي) كالتوطئة والتمهيد للجواب، يعني: ما كانت عجلتي إلا لرضاك، وأن أكون من السابقين الذي يتقدمون على متابعتهم مسافةً يسيرة يتقدم بمثلها الوفد رئيسهم، فجاء قوله: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) كالبيان لذلك. ويؤيده ما في "المعالم": أن موسى عليه السلام اختار من قومه سبعين رجلاً حتى يذهبوا معه إلى الطور ليأخذوا التوراة، فسار بهم، ثم عجل نم بينهم شوقاً على ربه وخلفهم وأمرهم أن يتبعوه إلى الجبل، فقال الله تعالى له: (وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى)، فقال مجيباً: هم بالقرب مني يأتون على أثري، وعجلتُ إليك لتزداد رضا.
ودل قوله: "لتزداد رضا" على وجود رضا.
فإن قلت: كيف التوفيق بين هذا الذي رُكب في هذا المقام وما سبق في "الأعراف" أن قصة ميقات الكلام وطلب الرؤية منه عليه السلام غير قصة الميقات للاعتذار لأجل عبادتهم العجل وأنه عليه السلام اختار السبعين في الكرة الثانية، وأنه لم يحضر معه القوم في الكرة الأولى، وما طلب الرؤية إلا لنفسه؟
قلتُ: وجهه أنه تعالى بعد هلاك فرعون واعد بني إسرائيل بقوله: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأَيْمَنَ) إحضارهم جانب الطور، ثم إنه عليه السلام اختار منهم سبعين فسار بهم، ثم عجل من بينهم إلى الجبل شوقاً إلى ربه فكلمه ربه وطلب الرؤية، وليس فيه أنهم لحقوه وطلبوا الرؤية. والحاصل أنه اختار السبعين مرتين، ففي الثانية كانوا معه. وأما في الأولى فليس في التنزيل ولا في الروايات أنهم حضروا معهُ في